responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : حسن المحاضرة في أخبار مصر والقاهرة المؤلف : جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي    الجزء : 1  صفحة : 47

أرميا : أقيموا بنا في أرضنا لنستغفر الله ، ونتوب إليه ، لعلّه أن يتوب علينا ، فقالوا : إنّا نخاف أن يسمع بنا بخت نصّر ، فيبعث إلينا ، ونحن شرذمة قليلون ؛ ولكنّا نذهب إلى ملك مصر فنستجير به ، وندخل في ذمّته ، فقال لهم أرميا : ذمّة الله أوفى الذّمم لكم ، ولا يسعكم أمان أحد من أهل الأرض ، إذا أخافكم. فسار أولئك النّفر من بني إسرائيل إلى قومس ، واعتصموا به ، فقال : أنتم في ذمّتي ، فأرسل إليه بخت نصّر أنّ لي قبلك عبيدا أبقوا [١] منّي ، فابعث بهم إليّ. فكتب إليه قومس : ما هم بعبيدك ؛ هم أهل النبوّة والكتاب وأبناء الأحرار ، اعتديت عليهم وظلمتهم ؛ فحلف بخت نصّر : لئن لم تردّهم لأغزونّ بلادك. وأوحى الله إلى أرميا أنّي مظهر بخت نصّر على هذا الملك الذي اتّخذوه حرزا ؛ ولو أنّهم أطاعوك وأطبقت عليهم السماء والأرض ، لجعلت لهم من بينهما مخرجا. فرحمهم أرميا ، وبادر إليهم ، وقال لهم : إن لم تطيعوني أسركم بخت نصّر وقتلكم ؛ وآية ذلك أنّي رأيت موضع سريره الذي يضعه بعد ما يظفر بمصر ويملكها. ثمّ عمد فدفن أربعة أحجار في الموضع الذي يضع فيه بخت نصّر سريره ، وقال : يقع كلّ قائمة من قوائم سريره على حجر منها. فلجّوا في رأيهم ، وسار بخت نصّر إلى قومس ، فقاتله سنة ، ثمّ ظفر به. فقتل وسبى جميع أهل مصر ، وقتل من قتل.

فلمّا أراد قتل من أسر منهم ، وضع له سريره في الموضع الذي وصف أرميا ، ووقعت كلّ قائمة من قوائم سريره على حجر من تلك الحجارة التي دفن ؛ فلمّا أتوا بالأسارى ، أتى معهم بأرميا. فقال له بخت نصر : ألا أراك مع أعدائي بعد أن أمّنتك وأكرمتك؟ فقال له أرميا : إنّي أتيتهم محذّرا ، وأخبرتهم خبرك ، وقد وضعت لهم علامة تحت سريرك ، وأريتهم موضعه ، فقال له بخت نصّر : وما مصداق ذلك؟ قال أرميا : ارفع سريرك ، فإنّ تحت كلّ قائمة منه حجرا دفنته ، فلمّا رفع سريره ، وجد مصداق ذلك ، فقال لأرميا : لو أعلم أنّ فيهم خيرا لوهبتهم لك. فقتلهم وأخرب مدائن مصر وقراها ، وسبى جميع أهلها ، ولم يترك بها أحدا حتّى بقيت مصر أربعين سنة خرابا ليس فيها أحد ؛ يجري نيلها ، ويذهب لا ينتفع به. وأقام أرميا بمصر ، واتخذ زرعا يعيش به. فأوحى الله إليه : إنّ لك عن الزرع والمقام شغلا ، فالحق بإيلياء. فخرج أرميا حتّى أتى بيت المقدس. ثمّ إنّ بخت نصّر ردّ أهل مصر إليها بعد أربعين سنة ، فعمروها ، فلم تزل مصر مقهورة من حينئذ.

ثمّ ظهرت الرّوم وفارس على سائر الملوك الّذين في وسط الأرض ، فقاتلت الروم


[١] أبق العبد : هرب من سيّده.

اسم الکتاب : حسن المحاضرة في أخبار مصر والقاهرة المؤلف : جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي    الجزء : 1  صفحة : 47
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست