مصر ، وجميع الأرض يحتاجون إليها ، وكانت الأنهار بقناطر وجسور بتقدير ؛ حتّى إنّ الماء يجري تحت منازلهم وأفنيتهم يحبسونه متّى شاؤوا ، ويرسلونه متى شاؤوا ، وكانت البساتين بحافّتي النيل من أوّله إلى آخره ما بين أسوان إلى رشيد لا تنقطع ؛ ولقد كانت المرأة تخرج حاسرة ولا تحتاج إلى خمار لكثرة الشجر ، ولقد كانت المرأة تضع المكتل [١] على رأسها فيمتلىء ممّا يسقط فيه من الشجر ، وكان أهل مصر ما بين قبطيّ ، ويونانيّ وعمليقيّ ؛ إلّا أنّ جمهورهم قبط ، وأكثر ما يملكها الغرباء. وكانت خمسا وثمانين كورة [٢] ، منها أسفل الأرض خمس وأربعون كورة ، ومنها بالصّعيد أربعون كورة ؛ وكان في كلّ كورة رئيس من الكهنة ـ وهم السّحرة ـ وكانت مصر القديمة اسمها أقسوس ، وكانت منف مدينة الملوك قبل الفراعنة وبعدهم إلى أن خرّبها بخت نصّر ؛ وكان لها سبعون بابا ، وحيطانها مبنيّة بالحديد والصّفر [٣] ، وكان يجري تحت سرير الملك أربعة أنهار ، وكان طولها اثني عشر ميلا. وكان جباية مصر تسعين ألف ألف دينار مكرّرة مرّتين بالدينار الفرعونيّ ، وهو ثلاثة مثاقيل.
وقال صاحب مباهج الفكر ومناهج العبر [٤] : حدّ مصر طولا من ثغر أسوان ، وهو تجاه النّوبة إلى العريش ، وهو مدينة على البحر الروميّ ، ومسافة ذلك ثلاثون مرحلة ، وحدّه عرضا من مدينة برقة الّتي على ساحل البحر الروميّ إلى أيلة التي على بحر القلزم ، ومسافة ذلك عشرون مرحلة. وتنسب إلى مصر. وقيل : مصر بن بيصر بن حام. ويسمّي اليونان بلد مصر مقدونية ، وأوّل مدينة اختطّت بمصر مدينة منف ، وهي في غربيّ النيل ، وتسمّى في عصرنا بمصر القديمة. ولما فتح [٥] عمرو بن العاص مصر أمر المسلمين أن يحيطوا حول فسطاطه [٦] ، ففعلوا ، واتّصلت العمارة بعضها ببعض ، وسمّي مجموع ذلك الفسطاط. ولم يزل مقرّا للولاية والجند إلى أن وليه أحمد [٧] بن