قد لخّص القضاعيّ في كتابه الخطط قصّة فتح مصر تلخيصا وجيزا فقال ، ومن خطّه نقلت : لمّا قدم عمرو بن العاص رضياللهعنه من عند عمر رضياللهعنه ، كان أوّل موضع قوتل فيه الفرما قتالا شديدا نحوا من شهر ، ثمّ فتح الله عليه. قال أبو عمر الكنديّ : وكان أوّل من شدّ على باب الحصن حتّى اقتحمه أسيفع بن وعلة السّبئيّ وأتبعه المسلمون ، فكان الفتح. وتقدّم عمرو ، لا يدافع إلا بالأمر الخفيف ، حتّى أتى بلبيس ، فقاتلوه بها نحوا من شهر ، حتّى فتح الله عليه ، ثم مضى لا يدافع إلّا بالأمر الخفيف ؛ حتّى أتى أمّ دنين وهي المقس ، فقاتلوه بها قتالا شديدا ، وكتب إلى عمر يستمدّه ، فأمدّه باثني عشر ألفا ، فوصلوا إليه أرسالا يتبع بعضهم بعضا ، وكان فيهم أربعة آلاف عليهم أربعة ، وهم الزّبير بن العوّام والمقداد بن الأسود وعبادة بن الصامت ومسلمة بن مخلّد ـ وقيل : إنّ الرابع خارجة بن حذافة دون مسلمة ـ ثمّ أحاط المسلمون بالحصن ، وأمير الحصن يومئذ المندفور الذي يقال له الأعيرج من قبل المقوقس بن قرقب اليونانيّ ، وكان المقوقس ينزل الإسكندرية وهو في سلطان هرقل ، غير أنّه كان حاضر الحصن حين حاصره المسلمون ، ونصب عمرو فسطاطه في موضع الدّار المعروفة بإسرائيل التي على باب زقاق الزهريّ ، ويقال في دار أبي الوزام التي في أوّل زقاق الزّهريّ ، ملاصقة لدار إسرائيل. وأقام المسلمون على باب الحصن محاصرين للروم سبعة أشهر.
ورأى الزبير خللا ممّا يلي دار أبي صالح الحرّانيّ الملاصقة لحمّام ابن نصر السراج عند سوق الحمّام ، فنصب سلّما ، وأسنده إلى الحصن ، وقال : إنّي أهب نفسي لله عزوجل ، فمن شاء أن يتبعني فليتبعني ، فتبعه جماعة حتى أوفى على الحصن ، فكبّر وكبروا ، ونصب شرحبيل بن حسنة [١] المراديّ سلّما آخر ممّا يلي زقاق الزمامرة ، ويقال : إنّ السّلّم الذي صعد عليه الزبير كان موجودا في داره التي بسوق وردان إلى أن وقع حريق فاحترق.
فلما رأى المقوقس أنّ العرب قد ظفروا بالحصن ، جلس في سفنه هو وأهل القوّة.