لقرص الشمس الوجوب ، واتصفت صلاة المغرب بالوجوب ، نزلنا بشط نهر في غاية الاتساع ، شديد الجري والدفاع ، أكثر في الارتفاع من مائة ذراع ، ويحاذيه مرج أفيح ومسرح ومشرح ، وربيع يجول فيه الطرف ويمرح ، وهو بالقرب من آق كبرى ومعناه الجسر الأبيض بالعربيّة ، وهو آخر ما كانت تحكمه الجراكسة وأول البلاد القرمانيّة ، فبتنا بشط ذلك النهر ليلة الأربعاء ثاني عشر الشهر ، وهناك هواء شديد ، وبرد ما عليه من مزيد ، حتى خيّل لنا أن الشتاء عاد بأنوائه [١] والبرد رجع بأدوائه ، فاشتكت منه الأسنان ورجف الجنان ، وقعدنا تحت الرعدة ننتظر الفرج بعد الشدّة ، ثم رحلنا منه [٤٥ ب] : [من الكامل]
ثم برق من الفجر نوره ، ولاحت من الصباح تباشيره ، فسرنا في مخاضات وطلعات ونزلات (إلى أن ترافع النهار وتعالى ، وتتابع حرّه وتوالى) [٣] ، وقيّلنا ذلك النهار بمكان بشط بعض تلك الأنهار. ثم سرنا فجزنا على بساتين بها فواكه وزيتون ، وشذى يفوح من أشجار زيزفون ، ونزلنا بمكان به مياه ومرج ، وبالقرب منه جبال من ثلج ، فحصل فيه برد شديد وريح بارد ، ومطر يقوى ويضعف لكنه متوال متوارد ، فقطعنا تلك الليلة بين همل وهطل ، وعطاء من السحب لا يكدره مطل ، ورقصت القلوب لتصفيق الرياح ، وفقدت النفوس الروح والخواطر الارتياح ، وطال الليل مع أنه قصير الذيل ، كما قال أبو المعالي الحظيريّ : [من مجزوء البسيط]