كان النبي [٣] ، 6 ، مليح الوجه ، حسن الخلق معتدل القامة ، ليس بالقصير ولا بالطويل ، أبيض اللون مشربا بحمرة ، يتلألأ وجهه تلألأ [٤] القمر ليلة البدر ، كث اللحية ، واسع الجبين ، بعيد ما بين المنكبين ، لم يبلغ الشيب في رأسه ولحيته عشرين شعرة ، إن صمت فعليه الوقار ، وإن تكلم سما وعلاه البهاء ، أجمل الناس وأبهاهم من بعيد ، وأحلاهم وأحسنهم من قريب ، بين كتفيه خاتم النبوة ، ريح عرقه أطيب من ريح المسك الإذفر ، يقول ناعته : لم أر قبله ولا بعده مثله.
وأما معجزاته ، 6 ، فأفضلها القرآن الكريم الذي أعجز الفصحاء وأخرس البلغاء ، ومنها انشقاق الصدر والتئامه ، ومنها انشقاق القمر فرقتين ، ومنها : نبع الماء من بين أصابعه ، وتكثير الطعام ببركته ، وكلام الشجرة وشهادتها له بالنبوة ، وإجابتها دعوته ، وسلام الحجر والشجر عليه ، وحنين الجذع إليه ، وتسبيح الحصى في كفه ، وغير ذلك مما لا يعد ولا يحصى ، ولا يحاط به ولا يستقصي ، ومن ذا يحيط بالبحر الزاخر ولو أجهد نفسه آناء الليل وأطراف النهار.
وكان 6 ، لا ينتقم لنفسه ولا يغضب لها ، إلا أن تنتهك حرمات الله تعالى ، فينتقم لله ، وكان أحسن الناس خلقا ، وأرجحهم علما ، وأعظمهم عفوا ، وأسخاهم كفا ، وأوسعهم صدرا ، وأصدقهم لهجة ، وكان أشد الناس حياء من العذراء في خدرها ، وإذا كره شيئا عرف في وجهه ، ولا يجزي بالسيئة السيئة ، ولكن يعفو ويصفح ، وكان يخصف النعل ، ويرقع الثوب ، ويخدم في مهنة أهله ، ويجيب الدعوة ، ويقبل الهدية ، ويكافىء عليها ويأكلها [٥] ، ولا يأكل الصدقة ، ويعود المريض ، ويشهد الجنائز ، متواضعا ، يمزح ولا يقول إلا حقا ، يضحك من غير قهقهة ، وما خير بين شيئين إلا اختار أيسرهما إلا أن يكون فيه إثم أو قطيعة رحم ، فيكون أبعد الناس عن ذلك.
مولده بمكة وهجرته لطيبة [٦] وملكه بالشام ، أرأف الناس وخيرهم ، لا ترتفع في مجلس الأصوات ، إذا قام من مجلسه قال : «سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن