الليل ويصوم نصف الدهر [١] ، فلما كان من خطيئته [٢] ما كان ، صام الدهر كله ، وقام الليل كله ، وكان إذا ذكر عقاب الله تخلعت أوصاله ، وإذا ذكر رحمة الله تراجعت ، وفي القصة أن الوحوش والطير كانت تسمع إلى قراءته فلما فعل ما فعل كانت لا تصغي إلى قراءته ، فروي أنها قالت : يا داود ذهبت خطيئتك بحلاوة صوتك.
عن رافع بن عميرة [٤] قال : سمعت رسول الله [٥] يقول : «قال الله تبارك وتعالى لداود : يا داود ابن لي بيتا في الأرض ، فبنى داود بيتا لنفسه قبل البيت الذي أمر الله به [٦] ، فأوحى الله تعالى إليه : يا داود بنيت بيتك قبل بيتي ، قال : أي رب هكذا قلت فيما قضيت من ملك استأثر ، ثم أخذ في بناء المسجد ، يعني مسجد بيت المقدس.
وعن وهب : لما تاب الله [٧] على داود ، 7 ، وكان قد بنى مدائن كثيرة وصلحت أمور بني إسرائيل أحب أن يبني بيت المقدس وعلى الصخرة الشريفة [٨] قبة في الموضع الذي قدسه الله تعالى في إيلياء [٩] ، وكانت [١٠] قد حسنت حال بني إسرائيل وملأوا الشام وضاقت بهم فلسطين وما حولها ، فأحب داود ، 7 ، أن يعلم عددهم فأمر بإحصائهم في [١١] أنسابهم وقبائلهم ، فكبر عليهم [١٢] فلم يطيقوا إحصائهم.
وروي أن الله تعالى أوحى إلى داود ، 7 ، لما كثر طغيان بني إسرائيل أني أقسمت بعزتي لأبتلينّهم بالقحط سنتين أو أسلط عليهم العدو شهرين أو الطاعون
[٣] ينظر : الطبري ، تاريخ ١ / ٤٨٥ ؛ ابن الأثير ، الكامل ١ / ١٢٨.
[٤] رافع بن عميرة : رافع بن أبي رابع الطائي ، صحابي ، يكنى أبا الحسن ، توفي عام ٢٣ ه / ٦٤٣ م ، ينظر : ابن عبد البر ٢ / ٤٨٢ ؛ ابن الجوزي ، تلقيح ١٩٠ ؛ ابن حجر ، الإصابة ٢ / ١٨٨.