على الرغم من تدهور الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية في أواخر العصر المملوكي [١] إلا أن مصر والشام كانتا ميدانا لنشاط علمي واسع يدل عليه التراث الضخم من الموسوعات والمؤلفات في مختلف العلوم الأدبية والتاريخية والدينية خلّفها علماء ذلك العصر كالمقريزي [٢] ، وابن حجر [٣] ، وابن تغري بردي [٤] ، والكناني [٥] ، وابن الصيرفي [٦] ، والسخاوي [٧].
وما كان لهذا النشاط العلمي أن يزدهر في عصر المماليك لو لا تشجيع بعض سلاطينهم للعلم والعلماء [٨].
والدليل على رعاية سلاطين المماليك للنشاط العلمي هو حرصهم الشديد على إنشاء الكثير من المدارس ، بالإضافة إلى المؤسسات الأخرى التي قامت أحيانا بوظيفة المدارس مثل : المساجد.
ولقد كانت المدارس في ذلك العصر على درجة عالية من التنظيم وحسن الإدارة والتخطيط ، وقد أعطتنا المصادر معلومات عن عدد المدرسين ورواتبهم ، والتنظيم الإداري لهذه المدارس ، فقد كان لكل مدرسة شيخ ، وفيها عدد كبير من المدرسين والمعيدين والخدم ، وقد أعطى ابن كثير (ت ٧٧٤ ه / ١٣٧٢ م) صورة تفصيلية عن المدرسة الناصرية بالقاهرة ، فقال : «كان عدد المدرسين ثلاثين في كل مذهب فجعلهم السلطان أربعة وخمسين» [٩].
أما المدرسة السكرية في دمشق فقد عين لها ثلاثون محدثا وثلاثون نفرا يقرأون القرآن لكل عشرة شيخ ، ولكل واحد من القراء نظير ما للمحدثين ورتب لها
[١] ينظر : ابن تغري بردي ، النجوم ٧ / ٥٥ ؛ العليمي ٢ / ٣٤٨ ؛ ابن العماد ٦ / ٣٣٩ ؛ عاشور ، العصر المماليكي ٣٢٢ ـ ٣٢٣ ؛ غوانمة ، تاريخ ٤٩ ـ ٥٢ ، ١١٨ ـ ١١٩.