ومنهم : السّيّد طه بن عليّ [١] ، وصل الحاوي عمّا قريب ، وهو رجل صالح مشارك في طرف من العلم ، وقد سرّني لقاؤه في ربيع الأوّل من عامنا هذا بالحوطة ؛ لأنّه يناهز الثّمانين ، وقد أدرك الرّجال وأخذ عنهم ، فأطربني بأحاديثه الشّهيّة عنهم ، في أخبارهم حتى تذكّرت قول العباس بن الأحنف [من الطّويل] :
وحدّثتني يا سعد عنهم فزدتني
شجونا فزدني من حديثك يا سعد
وممّا أفادني في ذلك اليوم أنّه قال : حضرت مجلسا ببتاوي شهده كثير من أعيان العلويّين ؛ منهم الحبيبان محمّد بن أحمد المحضار ومحمّد بن عيدروس الحبشيّ فأنشد ولدي مشهور قصيدة بصوت شجيّ ، أثلجت خواطرهم ، وملكت سرائرهم ، واستجلبت خشوعهم ، واستمطرت دموعهم ، ولمّا سألوا عنها .. قال ولدي مشهور : إنّها لك ـ يعنيني ـ قال : فأطنب الحبيب محمّد المحضار في تفضيلك وفي الثّناء عليها وعليك ، حتّى استغرق ذلك المجلس الّذي حضره جماعة من أصحابك ؛ منهم : السّيّد عبد الله بن أحمد بن طه السّقّاف ، وما أظن ذلك إلّا قد بلغك من أحدهم.
فقلت له : كلّا وإنّ توكّن [٢] غربان الأحساد في صدورهم ليمنعهم عن مثل ذلك ؛ إذ هم كما قال طريح بن إسماعيل الثّقفيّ [من البسيط] :
إن يسمعوا الخير أخفوه وإن سمعوا
شرّا أذاعوا وإن لم يسمعوا كذبوا
وكما قال الشّريف الرّضيّ [من البسيط] :
إن عاينوا نعمة ماتوا بها كمدا
وإن رأوا غمّة طاروا بها فرحا
وللسّيّد طه هذا ولد يقال له : أحمد مشهور ، أديب ذكيّ ، وهو الآن في ممباسا من السّواحل الأفريقيّة ، وقاضي الحاوي الآن هو السّيّد عبد الله بن طه الحدّاد ، حسن السّمت ، كثير التّواضع [٣].
[١] السيد طه بن علي بن عبد الله الهدار الحداد ، ولد (بجاوة) ، وتوفي بالحاوي سنة (١٣٦٨ ه).