اسم الکتاب : سراج الملوك المؤلف : الطرطوشي، أبوبكر الجزء : 1 صفحة : 46
ما عدّها نعمة كما عددتموها، و لا حسبها
رفعة و منزلة كما حسبتموها، بل قال عند ذلك:
هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَ أَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ
[النمل: 40]، و هذا فصل الخطاب، لمن تدبر أن يقول له ربّه في معرض المنّة: هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ
[ص: 39]، ثم خاف سليمان 7، أن يكون استدراجا من حيث لا يعلم، هذا و قد
قال لك و لسائر أهل الدنيا: فَوَ رَبِّكَ
لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ. عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ
[الحجر: 92، 93]، و قال: وَ إِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ
خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها وَ كَفى بِنا حاسِبِينَ
[الأنبياء: 47].
تأمل بعقلك ما روي عن النبي صلى اللّه عليه و سلم أنه قال: «لو كانت
الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرا منها شربة ماء»[1].
و ألق سمعك إلى ما نزل به جبريل 7 من عند اللّه تعالى، على
محمد صلى اللّه عليه و سلم، فقال: «يا محمّد: إن الله يقول لك: عش ما شئت فإنّك
ميّت، و أحبب من شئت فإنّك مفارقه، و اعمل ما شئت فإنك مجزيّ به»[2].
فانظر ما اشتملت عليه هذه الكلمات من تصرّم[3]
العمر، و فراق الأحبة، و الجزاء على الأعمال، فلو لم ينزل من السماء غيرها لكانت
كافية.
انظر بفهمك إلى ما رواه الحسن[4].
أن النبي صلى اللّه عليه و سلم، مرّ بمنزل قوم قد ارتحلوا عنه، و إذا طلّا[5] مطروح فقال: «أ ترون هذا هان على
أهله؟» فقالوا:
من هوانه عليهم ألقوه، قال: «فو الذي نفسي بيده، للدّنيا أهون على
الله من هذا على أهله»[6]، فجعل
الدنيا أهون على الله من الجيفة المطروحة.
[1] - رواه الترمذي و الضياء عن سهل بن سعد بلفظ« تعدل»
بدل تزن، و الحديث صحيح.( الجامع الصغير ج 2/ ص 131، رقم 7480).
[2] - رواه البيهقي في شعب الإيمان عن جابر و أبي نعيم
في الحلية عن علي، و الحاكم في المستدرك، و الشيرازي في الألقاب، عن سهل بن سعد، و
الحديث صحيح، و له بقية أوردها السيوطي، و هي:[ و اعلم إن شرف المؤمن قيامه
بالليل، و عزّه استغناؤه عن الناس].( الجامع الصغير ج 1/ ص 7، رقم 89).
[4] - أي الحسن البصري: و هو الحسن بن يسار أبو سعيد،
إمام أهل البصرة، و حبر الأمة في زمنه، من العلماء التابعين الفقهاء الفصحاء
النساك، كان ذا هيبة، و له مع الحجاج بن يوسف مواقف، و قد سلم من أذاه، مات سنة
110 ه( الوافي بالوفيات 12/ 190) و غيره.