اسم الکتاب : سراج الملوك المؤلف : الطرطوشي، أبوبكر الجزء : 1 صفحة : 453
فأقام المؤذن الصلاة، فوضع يزيد العنقود، و
تقدم ليصلي، و كان أهل أفريقيا قد اجتمعوا على قتله، فلما ركع، ضربه رجل على رأسه
بعمود فقتله، و قيل لمحمد بن يزيد: اذهب حيث شئت. فسبحان من قتل الأمير و أحيا
الأسير. سنة الله التى قد خلت فى عباده، طلوع الحياة من شفار الموت، و حضور الموت
من معدن الحياة.
و يروى: أن سلطان صقلية[1]،
أرق ذات ليلة و منع النوم، فأرسل إلى قائد البحر، و قال: أنفذ الآن مركبا إلى
أفريقيّة يأتونى بأخبارها.
فعمّر القائد المركب و أرسله لحينه، فلما أصبحوا إذا بالمركب فى
موضعه لم يبرح، فقال له الملك: أ ليس قد فعلت ما أمرتك به؟ فقال: نعم، قد امتثلت
أمرك و أنفذت المركب، فرجع بعد ساعة، و سيحدثك مقدّم المركب[2].
فجاء و معه رجل، فقال الملك: ما منعك أن تذهب حيث أمرتك؟ قال:
ذهبت بالمركب، فبينا أنا في جوف الليل و البحّارون يقذّفون[3] إذا أنا بصوت يقول: يا الله يا
الله، يا غياث المستغيثين، يكررها مرارا، فلما استقر صوته فى أسماعنا، ناديناه
مرارا، يا لبيك، يا لبيك، و هو ينادى: يا الله يا غياث المستغيثين، و نحن نجيبه:
يا لبيك، يا لبيك، و قذفنا المركب نحو الصوت، فألفينا هذا الرجل غريقا فى آخر رمق
من الحياة، فأخذناه من البحر و سألناه عن حاله، فقال: كنا مقلعين من إفريقية،
فغرقت سفينتنا منذ أيام، و ما زلت أسبح حتى وجدت الموت، فلم أشعر إلا بالغوث من
ناحيتكم.
فسبحان من أسهر سلطانا، و أرّق جبّارا فى قصره، لغريق فى البحر حتى
استخرجه من تلك الظلمات: ظلمة الليل، و ظلمة البحر، و ظلمة الوحشة لا إله إلا أنت
سبحانك.
و أخبرنى رجل، كان إمام المسجد الجامع بالإسكندرية[4]،
قال: كنت
[1] - صقلية: جزيرة فى عرض البحر الأبيض المتوسط، فتحها
المسلمون فى بداية القرن الثالث الهجرى و دام وجودهم فيها 263 سنة إلى أن احتلها
الرومان سنة 484 ه.