اسم الکتاب : سراج الملوك المؤلف : الطرطوشي، أبوبكر الجزء : 1 صفحة : 436
و روي أن النبى صلى اللّه عليه و سلم قال
قبل موته: «من كانت له عندى مظلمة فليأت حتى أقصّه من نفسى». فقام سواد بن غزيّة[1] فقال: يا رسول الله إنك ضربتنى
على بطنى ليلة العقبة فأوجعتنى، فقال النبى صلى اللّه عليه و سلم: «دونك فاقتصّ»
فقال: يا رسول الله: إنّك ضربتنى و أنا مكشوف البطن، فكشف النبى صلى اللّه عليه و
سلم بطنه، فإذا هى كالقباطىّ- يعنى ثياب مصر- فاكب عليه يقبله، فقال: «يا سواد: ما
حملك على هذا؟» فقال: يا رسول الله: دنا لقاء هؤلاء المشركين، و لا ندرى، فأردت أن
يكون آخر العهد بك، ان أقبل بطنك[2].
فهذا رسول الله صلى اللّه عليه و سلم يقتصّ من نفسه، مع أن الله
تعالى قد غفر له ما تقدم من ذنبه و ما تأخر، لعلمه أن الله تعالى لا يدع القصاص فى
المظالم بين العباد، لأن الله تعالى أعدل من أن يدع مظلمة لأحد عند نبي، و لا
غيره.
و فى الحديث يقول الله تعالى يوم القيامة: «أنا ظالم إن فاتنى ظلم
ظالم»[3].
و يروى- أن داود 7- يقدمه خصمه إلى الله تعالى يوم
القيامة، فيقضى له عليه، فيدفعه إلى (أوريّا)[4]
سلما، ثم يستوهبه الله تعالى من أوريا، ثم يعوض أوريا عن ذلك الجنة.
و قال حبيب[5]: دخل
عثمان بن عفان رضى الله عنه، فوجد غلامه يعلف ناقة له، و إذا فى علفها شيء، فأخذ
بأذنه فعركها، ثم ندم، فقال لغلامه، قم فاقتصّ منى، فأبى الغلام، فلم يزل به حتى قام
فأخذ بأذنه، ثم قال: أعرك أعرك[6]. و هو
[1] - سواد بن غزية الأنصارى: من بنى عدى بن النجار،
شهد بدرا و المشاهد بعدها، و كان عامل الرسول صلى اللّه عليه و سلم على خيبر. و
ذكر في( ط) سوار خطأ( الإصابة 3/ 218).
[2] - ذكر هذه الحادثة ابن هشام فى السيرة النبوية ضمن
أحداث غزوة بدر 2/ 268، و ابن الأثير الجزري فى أسد الغابة ج 2 رقم 32 مع اختلاف
بسيط فى الألفاظ. و معنى القباطى: الثياب البيض الرقيقة. و معنى« و لا ندري»: أي
ربّما أقتل.
[3] - ورد الحديث القدسي في فتح الباري لشرح صحيح
البخاري في باب القصاص يوم القيامة بلفظ:« لا يجاوزني اليوم ظلم ظالم»، و في مجمع
الزوائد للهيثمي بلفظ:« و عزتي و جلالي لا يجاوزني اليوم ظلم ظالم»( 10/ 353).
[4] - أوريا: كان أحد قواد داود 7 ذكر ابن
الأثير قصة افتنان داود بزوجته و كيف أنه بقى يرسل أوريا للقتال حتى قتل ثم تزوج
داود بامرأته، و التى قيل أنها أنجبت له سليمان 7، ثم ندم داود بعد ذلك،
انظر( الكامل فى التاريخ- ابن الأثير ج 1 ص 224- 226).
[5] - حبيب بن مسلمة بن مالك القرشي من كبار الفاتحين
خرج مجاهدا إلى الشام منذ أيام أبي بكر، و دخل دمشق مع أبي عبيدة الذي ولّاه على
أنطاكية و ولّاه عمر على الجزيرة، توفي سنة 42 ه في أرمينية( الأعلام 2/ 166).
[6] - ثم قال:« اعرك اعرك» كذا في( خ)، و في( ط) يعرك،
و الأول أوجه.
اسم الکتاب : سراج الملوك المؤلف : الطرطوشي، أبوبكر الجزء : 1 صفحة : 436