responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : سراج الملوك المؤلف : الطرطوشي، أبوبكر    الجزء : 1  صفحة : 363

المسلمين فقالوا له: ما تصنع؟ هذا يشغلك عن الناس و عن النظر فى أمرهم.

قال: فكيف أصنع؟ قالوا: تتفرغ للنظر فى أمورهم، و تستنفق من هذا المال، فباع تلك الإبل و غيرها من ماله، إلا الأرض، ثم طرحه فى بيت المال، فكان ينفق من المال على نفسه و على عياله.

ثم كان عمر على مثل ذلك، ثم وليه عمر بن عبد العزيز، فلم ينفق منه، فقيل له: قد صنع أبو بكر و عمر ما قد علمت. قال: أجل، و لكنى أخذت من هذا المال، فإن يكن لى فيه حق فقد استوفيت و زدت، و لو لا ذلك لفعلت.

قال ابن القاسم‌[1]: قلت لمالك: فأين قولهم عن عمر أنّه ردّ ثمانين ألفا؟

قال: كذبوا، إنما يقول هذا أعداء الله، هو لم يجز لولده سلف أبى موسى إياه، حين أخذ منه نصفه، فكيف يأخذ من مال الله ثمانين ألفا!؟ فلما توفى أبو بكر، استرجع على رضى الله عنه، و جاء مسرعا باكيا، و قال: [رحمك الله أبا بكر، لقد كنت و الله أول القوم إسلاما، و أكملهم إيمانا، و اشدهم يقينا، و أخوفهم لله تعالى، و أحوطهم على رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم، و أشبههم به هديا و خلقا، و سمتا و فضلا، و أكرمهم عليه، و أرفعهم عنده، فجزاك الله عن الإسلام خيرا، صدّقت رسول الله حين كذّبه الناس، فسماك الله فى كتابه (صدّيقا) فقال تعالى: وَ الَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وَ صَدَّقَ بِهِ أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ‌ [الزمر: 33] و آنسته حين تخلفوا، و قمت معه حين قعدوا، و صحبته فى الشدة حين تفرقوا أكرم الصحبة، ثانى اثنين و صاحبه فى الغار، و رفيقه فى الهجرة، و المنزّل عليه السكينة، و خلفته فى أمته أحسن الخلافة، فقويت حين ضعف أصحابك، و برزت حين استكانوا، و قمت بالأمر حين فشلوا، و مضيت بقوة إذ وقفوا، كنت أطولهم صمتا، و أبلغهم قولا، و اشجعهم قلبا، و أشدّهم يقينا، و أحسنهم عملا، كنت كما قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ضعيفا فى بدنك، قويا فى أمر دينك، متواضعا فى نفسك، عظيما محبوبا إلى أهل السموات و الأرض، فجزاك الله عنّا و عن الإسلام خيرا»[2].

و قال عمر: رحم الله أبا بكر، لقد أتعب من بعده تعبا شديدا.


[1] - عبد الرحمن بن القاسم بن جنادة: فقيه من أصحاب الإمام مالك.

[2] - جزء من خطبة على بن أبى طالب رضى الله عنه فى تأبين أبى بكر الصديق لما سمع بخبر وفاته رضى الله عنه( و الخطبة ذكرت فى كتب السير منها مشاهير الإسلام/ رفيق بك العظم).

اسم الکتاب : سراج الملوك المؤلف : الطرطوشي، أبوبكر    الجزء : 1  صفحة : 363
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست