اسم الکتاب : سراج الملوك المؤلف : الطرطوشي، أبوبكر الجزء : 1 صفحة : 350
كما روى أنّ أمير المؤمنين عليّ بن أبى
طالب- رضى الله عنه- أشرف على بيت المال و فيه مال، فقال: يا بيضاء و يا حمراء،
ابيضّي و احمرّي و غرّي غيرى، ثم أمر فقسّم جميع ما فيه على المسلمين، و أمر قنبرا[1] أن يكنسه و يرشه، ثم دخل فصلى
فيه.
ثم كثير من الملوك ساروا فى الأموال على نحو هذه السيرة، من ملوك
الإسلام و ملوك الروم، و معظم ما أهلك بلاد الأندلس و سلّط عليها الروم: أن الروم
التى كانت تجاوزنا لم تكن لهم بيوت أموال، و كانوا يأخذون الجزية من سلاطين
الأندلس، ثم يدخلون الكنيسة فيقسمها سلطانهم على رجاله بالطاس[2]
و يأخذ مثل ما يأخذون، و قد لا يأخذ شيئا منها، و إنما كانوا يصطنعون بها الرجال،
و كانت سلاطيننا تحتجب الأموال و تضيع الرجال، فكان للروم بيوت رجال، و للمسلمين
بيوت أموال، فبهذه الخلة قهرونا و ظهروا علينا.
و كان من يذهب هذا المذهب و لا يدخر الأموال تضرب فيه الأمثال، و
يقال: عدو الملك بيت المال، و صديقه جنده، فإذا ضعف أحدهما قوي الآخر، و إذا ضعف
بيت المال ببذله للحماة، قوى الناصر و اشتد بأس الجند و قوى الملك، و إذا قوى بيت
المال و امتلأ بالأموال، قلّ الناصر و ضعفت الحماة، فضعف الملك، فوثبت عليه الأعداء،
و قد شاهدنا ذلك فى بلاد الأندلس مشاهدة.
و إذا كان الدفاع فى الرجال لا فى الأموال، و إنما يدفع بالأموال
بواسطة الرجال، فلا شك أن بيت رجال، خير من بيت مال.
و قد قال بعض الملوك لابنه، يا بنى: لا تجمع الأموال، لتتقوّى بها
على الأعداء، فإن فى جمعها تقوية الأعداء. يعنى: إذا جمعت الأموال أضعفت الرجال،
فيطمع فيك الصديق، و يثب عليك العدو.
و إنما مثل الملك فى مملكته، مثل رجل له بستان فيها عين معينة[3]، فإذا هو قام على البستان، فأحسن
تدبيرها فهندس أرضها و غرس أشجارها، و حظر