اسم الکتاب : سراج الملوك المؤلف : الطرطوشي، أبوبكر الجزء : 1 صفحة : 34
غيره علة يساوقه في الوجود، و هو قبل جميع
الأعيان بلا علّة لأفعاله، فقدرة اللّه في الأشياء بلا مزاج، و صنعه فيها بلا
علاج، و علّة كل شيء صنعه، و لا علة لصنعه.
فإن قلت: أين هو؟ فقد سبق المكان وجوده، فمن أين الأين لم يفتقر
وجوده إلى أين، هو بعد خلق المكان غنيّ بنفسه كما كان قبل خلق المكان، و كيف يحل
فيما منه بدأ؟ أو يعود إليه ما هو أنشأ؟
و إن قلت: ما هو؟ فلا ماهية لوجوده، و (ما) موضوعة للسؤال على الجنس،
و القديم تعالى لا جنس له، لأن الجنس مخصوص بمعنى داخل تحت الماهية.
و إن قلت: كم هو؟ فهو أحد في ذاته، منفرد بصفاته.
و إن قلت: متى كان؟ فقد سبق الوقت كونه.
و إن قلت: كيف هو؟ فمن كيّف الكيف، لا يقال له كيف، و من جازت عليه
الكيفية، جاز عليه التغيّر[1].
و إن قلت: هو، فالهاء و الواو خلقه، بل ألزم الكلّ الحدث، كما قال
بعض الأشياخ، لأن القدم له، فالذي بالجسم ظهوره فالعرض[2]
يلزمه، و الذي بالأداة اجتماعه فقواها تمسكه، و الذي يؤلّفه وقت يفرّقه وقت، و
الذي يقيّمه غيره فالضرورة تمسّه، و الذي الوهم يظفر به فالتصوير يرتقي إليه، و من
أواه محلّ أدركه أين، و من كان له جنس طلبه كيف، وجوده إثباته، و معرفته توحيده، و
توحيده تمييزه من خلقه، ما تصور في الأوهام فهو بخلافه، لا تخايله[3] العيون، و لا تخالطه الظنون، و لا
تصوّره الأوهام، و لا تحيط به الأفهام، و لا يقدّر قدره الأنام، و لا يحويه مكان،
و لا يقارنه زمان، و لا يحصره أمد، و لا يشفعه ولد، و لا يجمعه عدد، قربه كرامته،
و بعده إهانته، علوّه من غير توقّل[4]، و مجيئه
من غير تنقل، هُوَ الْأَوَّلُ وَ الْآخِرُ وَ الظَّاهِرُ وَ الْباطِنُ [الحديد: 3]، و القريب البعيد، الذي
لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ
[الشورى: 11].