اسم الکتاب : سراج الملوك المؤلف : الطرطوشي، أبوبكر الجزء : 1 صفحة : 33
خطبة الكتاب
بسم اللّه الرحمن الرحيم، الحمد لله الذي لم
يزل و لا يزال، و هو الكبير المتعال، خالق الأعيان و الآثار[1]،
و مكوّر النّهار على الليل و الليل على النهار، العالم بالخفيّات و ما تنطوي عليه
الأرضون و السماوات، سواء عنده الجهر و الإسرار
وَ مَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَ سارِبٌ بِالنَّهارِ[2] [الرعد: 10]، أَ لا يَعْلَمُ مَنْ
خَلَقَ وَ هُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ [الملك: 14]، خلق الخلق
بقدرته و أحكمهم بعلمه، و خصّهم بمشيئته، و دبّرهم بحكمته، لم يكن له في خلقهم
معين، و لا في تدبيرهم مشير و ظهير[3]، و كيف
يستعين من لم يزل[4] بمن لم
يكن؟! أو يستظهر من تقدّس عن الذل بمن دخل تحت ذلّ التكوين؟!
ثم كلّفهم معرفته، و جعل علم العالمين بعجزهم عن إدراكه إدراكا لهم،
و معرفة العارفين بتقصيرهم عن شكره شكرا لهم، كما جعل إقرار المقرّين بوقوف عقولهم
عن الإحاطة بحقيقته إيمانا لهم، لا يلزمه لم، و لا يجاوزه أين، و لا يلاصقه حيث، و
لا يحدّه ما، و لا يعدّه كم، و لا يحصره متى، و لا يحيط به كيف، و لا يناله أيّ، و
لا يظلّه فوق، و لا يقلّه تحت، و لا يقابله حدّ، و لا يزاحمه ندّ[5]،
و لا يأخذه خلف، و لا يحدّه أمام، و لم يظهره قبل، و لم يعيّنه بعد، و لم يجمعه
كل، و لم يوجده كان، و لم يفقده ليس.
وصفه لا صفة له، و كونه لا أمد له، و لا تخالطه الأشكال و الصور، و
لا تغيّره الأيام و الغير[6]، و لا تجوز
عليه المماسة و المقاربة، و تستحيل عليه المحاذاة و المقابلة. إن قلت لم كان؟ فقد
سبق العلل ذاته، و من كان معلولا، كان له