اسم الکتاب : سراج الملوك المؤلف : الطرطوشي، أبوبكر الجزء : 1 صفحة : 329
حتى تغيرت عليه نفوس الخلق، و تنكرت له وجود
الورى، فلما بلغ الأمين، حبسه ثم أطلقه، بعد أن أخذ عليه، أن لا يشرب خمرا، و لا
يقول فيه شعرا.
فمتى أراد السلطان إصلاح رعيته، و هو متماد على سيئ أخلاقه، كان كمن
أراد بقاء الجسد مع فقد رأسه، أو أراد استقامة الجسم مع عدم حياته، و كمن أراد
تقويم الضلع مع اعوجاج الشخص، و كيف يحيا النون[1]
مع فساد الماء.
و لقد أصاب الخليل[2] فى قوله:
اصلح نفسك لنفسك يكون الناس تبعا لك.
و قديما قيل: من أصلح نفسه أرغم أنف أعدائه، و من أعمل جدّه بلغ كنه
أمانيه.
و سئل بعض الحكماء: بم ينتقم الإنسان من عدوه؟ فقال: بإصلاح نفسه.
و صحبة الأشرار تورث الشر، كالريح إذا مرت على النّتن حملت نتنا، و
إذا مرت على الطّيب حملت طيبا، كقول الشاعر[6]:
لا
تشرب الرّاح مع من لا خلاق له
و
اختر لنفسك حرّا طيب السّلف
فالرّاح
كالرّيح إن مرّت على عطر
طابت،
و تخبث إن مرّت على الجيف
فمحال استصلاح رعيتك و أنت فاسد، و إرشادهم و أنت غاو، و هدايتهم و
أنت ضال. و قد سبق المثل: (و من العجائب أعمش كحّال)[7]
و تقول العرب: يا طبيب طبّ نفسك).
[1] - النون: الحوت و قد لقب يونس 7 بذى
النون لأن الحوت ابتلعه ثم رماه على الشاطئ كما هو معروف فى قصته 7.
[2] - الخليل بن أحمد: أشهر علماء اللغة و واضع علم
العروض، من اهل البصرة، معلم سيبويه و الأصمعى توفى نحو 170 ه
[3] - أبو الفتح البستى: كان شاعر عصره و قد سبقت
ترجمته.