اسم الکتاب : سراج الملوك المؤلف : الطرطوشي، أبوبكر الجزء : 1 صفحة : 306
فيدخل فى قول النبى صلى اللّه عليه و سلم:
«لو صدق السّائل ما أفلح من ردّه»[1]، قال
الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ
حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ [الرعد: 11] بترك أدب
أو إخلال بحق أو إلمام بذنب قال بعضهم: أدنى الشكر: أن لا تعصّى الله بنعمة، فإن
جوارحك كلّها من نعم الله تعالى عليك، فلا تعصه بها.
و يحتمل أن يكون معنى الآية: لَئِنْ
شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ إن شئنا، أ لا ترى أنه قال:
وَ مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها [الشورى: 20] و كثير من الخلق يريدون حرث الدنيا و لا يؤتونه، فيكون
التقدير: نؤته منها لمن نشاء بدليل قوله فى الآية الأخرى:
عَجَّلْنا لَهُ فِيها ما نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ [الإسراء: 18] و هكذا قوله تعالى:
ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [غافر: 60]. ثم إن كثيرا من
الناس يدعون فلا يستجاب لهم، و لكن معنى الآية:
أستجب لكم إن شئت، و لمن شئت، بدليل قوله تعالى: فَيَكْشِفُ ما تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شاءَ [الأنعام: 41] و هذا من باب حمل المطلق على المقيد.
قال الجنيد[2]: كنت بين
يدى السّرىّ[3]، و أنا
ابن سبع سنين، و بين يديه جماعة يتكلمون فى الشكر، فقال لى: يا غلام: ما الشكر؟
فقلت: أن لا يعصى الله تعالى بنعمه، قال: يوشك أن يكون حظك من الله لسانك، فلا
أزال أبكى على هذه الكلمة.
فإن قيل: ما معنى قوله تعالى: وَ إِنْ
تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوها [إبراهيم: 34] و ما
يحصل من الأفعال فى الوجود يمكن إحصاؤه؟ قلنا: نعم الله تعالى على وجهين:
دفع، و منع، فالدفع يمكن إحصاؤه، و دفع البلايا نعم لا يمكن إحصاؤها،
و ما يدفع الله عنهم مما فى مقدوره من ذلك، و ما يدفع الله تعالى عن العبد لا
يحصى.
\*\*\* فصل: فى بعض أقوال العلماء و الحكماء فى الشكر[4]
ثم عدنا إلى أقوال العلماء و الحكماء فى الشكر.
[1] - الحديث موضوع: قال العجلونى فى كشف الخفاء: حكم
الصنعانى عليه بالوضع و قال ابن عبد الله إسناده ليس بالقوى و سبقه ابن المدينى
لذلك و أدرجه فى خمسة أحاديث قال لا أصل لها، و نقل عن الإمام أحمد قوله إن الحديث
لا أصل له( كشف الخفاء، العجلونى ج 2: ص 155).
[2] - الجنيد بن محمد من الزهاد و هو ابن أخت السرىّ و
تلميذه و قد سبقت ترجمته.
[3] - السّرى: هو السرىّ السّقطى، أحد كبار مشايخ
الصوفية و خال الجنيد بن محمد الذى قال فيه( ما رأيت أحدا أعبد من سرى السقطى) كان
يقول الشعر، توفى سنة 253 ه( الأعلام 3/ 82).