responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : سراج الملوك المؤلف : الطرطوشي، أبوبكر    الجزء : 1  صفحة : 294

و قال عمر بن عبد العزيز: القلوب أوعية و الشّفاه أقفالها، و الألسن مفاتيحها، فليحفظ كلّ إمرئ مفتاح سرّه.

و من أعجب الأمور، أن أغلاق‌[1] الدنيا كلما كثرت خزّانها كان أوثق لها، إلا السر؛ فإنه كلّما كثر خزّانه كان أضيع له، فكم من إظهار سرّ أراق دم صاحبه، و منع من بلوغ مآربه، و لو كتمه أمن من سطوته.

قال أنوشروان: من حصّن سرّه فله بتحصينه خصلتان: الظّفر بحاجته و السّلامة من السّطوات، و قال بعض الحكماء: سرّك من دمك، فلا تجره فى غير أوداجك‌[2]، فإذا تكلّمت به فقد أرقته.

و كان لعثمان بن عفان- رضى الله عنه- كاتب يقال له: (حمران)[3] فاشتكى‌[4] عثمان، فقال: أكتب العهد بعدى لعبد الرحمن بن عوف. فقال حمران لعبد الرحمن: البشرى، فقال عبد الرحمن: لك البشرى، بما ذا؟

فأخبره الخبر، فانطلق عبد الرحمن فأخبر عثمان، فقال عثمان: أعاهد الله أن لا يساكننى حمران أبدا، و نفاه إلى البصرة، فلم يزل بها حتى قتل عثمان رضى الله عنه.

و اعلم أن كتمان الأسرار بدلّ على جواهر الرّجال.

و كما أنه لا خير فى آنية لا تمسك ما فيها، فلا خير فى إنسان لا يمسك سرّه.

و يروى أن رجلا أودع سرّه عند رجل، فقال له: أ فهمت؟ قال: بل جهلت.

قال: احفظت؟ قال: بل نسيت.

و قيل لبعضهم: كيف كتمك السر؟ قال: أجحد المخبر، و أحلف للمستخبر، و قال الشاعر:

و لو قدرت على كتمان ما اشتملت‌

منّى الضّلوع على الأسرار و الخبر

لكنت أوّل من ينسى سرائره‌

إذ كنت من نشرها يوما على خطر


[1] - أغلاق: أقفال.

[2] - الأوداج؛ عروق فى العنق.

[3] - حمران بن أبان بن عمرو، أبا زيد، سباه المسيّب الفزارى و كان يهوديا اسمه« طويدا» فاشترى لعثمان ثم اعتقه، و صار يكتب بين يديه، ثم غضب عليه، فأخرجه إلى البصرة، فلمّا قدم الحجّاج إلى البصرة آذاه و أخذ منه مائة ألف درهم فكتب إلى عبد الملك بن مروان يشكوه. فأمر بالإحسان إليه و رد ماله( المعارف لابن قتيبة ص 435).

[4] - اشتكى عثمان: أى مرض.

اسم الکتاب : سراج الملوك المؤلف : الطرطوشي، أبوبكر    الجزء : 1  صفحة : 294
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست