اسم الکتاب : سراج الملوك المؤلف : الطرطوشي، أبوبكر الجزء : 1 صفحة : 293
الباب الثالث و الثلاثون فى كتمان السر
قال اللّه تعالى حكاية عن يعقوب[1]7: يا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا
لَكَ كَيْداً [يوسف: 5] فلما أفشى رؤياه بمشهد امرأة يعقوب، أخبرت إخوته، فحلّ به
ما حلّ.
و فى الحديث: «استعينوا على قضاء الحوائج بالكتمان، فإن كلّ ذى نعمة
محسود»[2].
و اعلم أن كتمان السّرّ من الخصال المحمودة فى جميع الخلق، و من
اللوازم فى حقوق الملوك، و من الفرائض الواجبة على الوزراء، و جلساء الملوك، و
الأتباع.
قال علىّ رضى اللّه عنه: سرّك أسيرك، فإذا تكلمت به صرت أسيره.
و أنشدوا:
أسيرك
سرّك إن صنته
و
أنت أسير إذا ما ظهر
و اعلم: إن أمناء الأسرار أشدّ تعذّرا و أقلّ وجودا من أمناء
الأموال، و حفظ الأموال أيسر من كتم الأسرار، فإن أحراز الأموال منيعة بالأبواب و
الأقفال، و أحراز الأسرار بارزة يذيعها لسان ناطق، و يشيعها كلام سابق، و عبء
الأسرار أثقل من عبء الأموال، و إن الرجل يستقلّ بالحمل الثقيل يحمله، و يمشى به
و يقلّه[3]، و لا
يستطيع كتم السر.
و إنّ الرّجل يكون سرّه فى قلبه، فيلحقه من القلق و الكرب مالا يلحقه
بحمل الاثقال، فإذا أذاعه استراح قلبه، و سكن جأشه، و كأنّما ألقى عن نفسه جبلا.
[1] - يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم 7: و هو
والد النبى يوسف 7. و إخوته و قصتهم معروفة فى سورة يوسف فى القرآن
الكريم.
[2] - الحديث: قال الحافظ العراقى: هذا الحديث أخرجه
ابن أبى الدنيا و الطبرانى من حديث معاذ بسند ضعيف( المغنى عن حمل الأسفار فى
الأسفار ج 3/ ص 177).