اسم الکتاب : سراج الملوك المؤلف : الطرطوشي، أبوبكر الجزء : 1 صفحة : 258
قال ذو النون[1]:
بداية السخاء، أن تسخو نفسك بما في يديك، و نهايته أن تسخو نفسك بما في أيدي
الناس، و أن لا تبالي من كل الدنيا.
و تذاكر قوم من الزّهّاد عند رابعة العدوية[2]
فجعلوا يذمّون الدنيا و يكثرون من ذلك، فقالت رابعة: من أحب شيئا أكثر من ذكره.
و أصل السخاء هو السماحة، و أن يؤتى ما يؤتيه عن طيبة نفس و انشراح
صدر[3].
و قد يكون المعطي بخيلا إذا صعب عليه البذل، و الممسك سخيّا إذا كان
لا يستصعب العطاء و إن منع، و لهذا قال علماؤنا: إن الله تعالى لم يزل جوادا و إن
لم يقع منه عطاء في الأزل، لأن العطاء فعل، و الفعل في الأزل مستحيل.
و قالت الحكماء: أيها الجامع لا تخدعنّ، فالمأكول للبدن، و الموهوب
للمعاد، و المتروك للعدو. و قال الله تعالى:
وَ يُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَ لَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ [الحشر: 9].
قال أبو هريرة رضي الله عنه، جاء رجل إلى النبي صلى اللّه عليه و سلم
فقال: يا رسول اللّه:
إني جائع فأطعمني، فبعث النبي صلى اللّه عليه و سلم إلى أزواجه،
فقلن: و الذي بعثك بالحق ما عندنا إلا الماء، فقال النبي صلى اللّه عليه و سلم: ما
عند رسول اللّه ما يطعمك الليلة، ثم قال: من يضيف هذا هذه الليلة ;؟ فقال
رجل من الأنصار: أنا يا رسول اللّه، فحمله إلى منزله، و قال لأهله: هذا ضيف النبي
صلى اللّه عليه و سلم، فأكرميه و لا تدخري عنه شيئا، فقالت: ما عندنا إلا قوت
الصبية، فقال فعلّليهم[4] عن قوتهم
حتى يناموا، ثم اسرجي و ابرزي[5] فإذا أخذ
الضيف يأكل، قومي كأنك تصلحين السراج فأطفئيه، و تعالي تمضغ ألسنتنا لضيف النبي
صلى اللّه عليه و سلم، ففعلت، و جعلا يمضغان ألسنتهما، و الضيف يظن أنهما يأكلان،
و باتا
[1] - ذو النون: هو أبو الفيض ثوبان بن إبراهيم: صوفي
مصري من الكبار أول من تكلم بمصر في ترتيب الأحوال و مقامات أهل الولاية توفي
بالجيزة سنة 245 ه.( الأعلام 2/ 102).
[2] - رابعة العدوية: متصوفة صالحة مشهورة من البصرة
تنسكت و اشتهرت بأخبارها في العبادة و ادخلت على التصوف فكرة الحب الإلهي بدلا من
الخوف و الرهبة توفيت 135 ه بالقدس.