اسم الکتاب : سراج الملوك المؤلف : الطرطوشي، أبوبكر الجزء : 1 صفحة : 257
الباب الثلاثون في الجود و السخاء و هذه
الخصلة الجليل قدرها، العظيم موقعها الشريف موردها و مصدرها
و هي إحدى قواعد المملكة و أساسها، و تاجها و جمالها، تعنوا[1] لها الوجوه، و تذل لها الرقاب، و
تخضع لها الجبابرة، و يسترق بها الأحرار، و يستمال بها الأعداء، و يستكثر بها
الأولياء، و يحسن بها الثناء، و يملك بها القرباء و البعداء، و يسود بها في غير
عشائرهم الغرباء.
و هذه الخصلة بالعزائم الواجبات أشبه منها بالجمال و المتمّمات، و كم
قد رأينا من كافر ترك دينه و التزم دين الإسلام ابتغاء عرض قليل من الدنيا يناله،
و كم قد سمعنا من مسلم ارتد في أرض الشرك افتتانا بيسير من عرض الدنيا، و أخلق
بخصلة يترك لها الإنسان دينه الذي يبذل دونه نفسه، أن تكون جليلة القدر، و عظيمة
الخطر، و أحوج خلق اللّه إليها أفقرهم إلى عطف القلوب عليه، و صرف الوجوه إليه، و
هم: الملوك و الولاة.
و اعلموا يا معشر من وسّع اللّه عليه دنياه، و أسبغ عليه آلاءه و
نعماءه أنه ليس في الجنة «لا» و حسبك بكلمة لا تدخل الجنة سقوطا و ضعة[2]، و إنما أسّست الجنّة على ما
تشتهيه الأنفس و تلذّ الأعين.
و هذه الخصلة، أعني- الكرم و الجود و السخاء و الإيثار- بمعنى واحد
يوصف الباري تعالى بالجود و لا يوصف بالسخاء، كما يوصف بالعلم و لا يوصف بالعقل،
لعدم التوقيف.
و حقيقة الجود: هي أن لا يصعب عليه البذل، و يقال: السخاء هو الرتبة
الأولى، ثم الجود، ثم الإيثار، فمن أعطى البعض و أمسك البعض فهو صاحب سخاء، و من
بذل الأكبر فهو صاحب جود، و من آثر غيره بالحاضر و بقي هو في مقاساة الضّرّ فهو
صاحب إيثار.
[1] - تعنو: تخضع و تذل و منها قوله تعالى: وَ
عَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ[ طه: 111].