فأول ذلك: أنّك إذا نظرت إلى تغيّر أشكالك[2]،
و تبدّل صورتك، و احمرار وجهك، و انتفاخ أوداجك، و ذهاب جنانك، و سقط كلامك، و فحش
ما يخرج من فيك، لأمسكت عن الغضب، و لطالما كنت تستحي أن تتكلّم بين يدي الجلساء
باليسير الجائز، فعمدت تهدر بالكثير الفاحش، و لو أن من غضب استذكر إذا صحا و سكن،
غرّر به[3] انقلاب
صورته، و تغيّر وجهه، و اضطراب شفتيه، و ارتعاد أطرافه، و سقط كلامه، و فحوى
خطابه، و التفاف لسانه، و خفّة عقله، و طيشه، و وثوبه من مجلسه كأنّه نمر، و سرعة
التفاته يمينا و شمالا كأنه قرد، و عدم فهمه لما يسمع، و قلة التفاته إلى من يعظه
و ينصحه كأنه أحمق.
و من شؤم الغضب و عظيم بليّته: أنه قد يقتل النفوس، و يسلب الرّوح، و
كان سبب موت مروان بن عبد الملك[4] أنه: وقع
بينه و بين أخيه سليمان كلام، فعجل عليه سليمان، فقال: يا من يلحق أمّه، ففتح فاه
ليجيبه، و إذا بجنبه عمر بن عبد العزيز، فأمسك على فيه، و ردّ كلمته، و قال: يا
ابن عبد الملك، أخوك، و إمامك و له السّنّ عليك، فقال يا أبا حفص: قتلتني.
قال: و ما صنعت بك؟ قال: رددت في جوفي أحر من الجمر، و مال لجنبه
فمات. و لعمري إنه يزيد على الحمقى.
[3] - غرر به: عرضه للهلاك و في( خ) غر به أي شق عليه.
[4] - مروان بن عبد الملك بن مروان الأموي: أمير من
شجعان بني مروان و قد ذكره الزركلي في( الأعلام 7/ 208)، و ذكر أن الذي تشاجر معه
مروان هو الوليد بن عبد الملك و ليس سليمان( كما ذكر الطرطوشي) و ذكر: أنه حج مع
أخيه الوليد أيام خلافته، فتشاجرا و هما في وادي القرى و شتمه الوليد و كان معهما
عمر بن عبد العزيز فوضع يده على فم مروان و منعه من الرد على الوليد فقال له
قتلتني رددت غيظي في جوفي قال فما انصرفوا من وادي القرى إلا و قد مات و دفنوه سنة
91 ه.
و باعتقادي أن هذا الصحيح لأن
سليمان بن عبد الملك لم يصبح إماما و خليفة إلا سنة 96 ه يوم وفاة الوليد، و اللّه
أعلم.
اسم الکتاب : سراج الملوك المؤلف : الطرطوشي، أبوبكر الجزء : 1 صفحة : 253