responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : سراج الملوك المؤلف : الطرطوشي، أبوبكر    الجزء : 1  صفحة : 224

و الواهبين حقوقهم على المنتقمين، فقال سبحانه: وَ إِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ، وَ لَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ‌ [النحل: 126]، و هذا نص لا يحتمل التأويل، و تحقيق القول في ذلك، أن الانتصار عدل و العفو فضل، و فضل الله أحب إلينا من عدله، لأنه إن عدل علينا فاخذنا بحقه هلكنا، و إن عفا عنا برحمته تخلصنا، و لو كان العدل يسع الخلائق لما قرنه الله تعالى بالإحسان، فلمّا علم أن العدل استقصاء و مناقشة، و ذلك مما تضيق عنده النفوس و تحرج له الصدور، ناط الإحسان بالعدل، فقال: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَ الْإِحْسانِ‌ [النحل: 90]، و أيضا فإن الانتصار انتقام و عذاب بلا امتنان، و العفو محبة من الله و إحسان، و أيضا فإن الانتصار سيئة و العفو حسنة، قال الله تعالى: وَ لا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَ لَا السَّيِّئَةُ [فصلت: 34] و الدليل على أن الانتصار سيئة قوله تعالى: وَ جَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها [الشورى: 40]، غير أنه إنما سميت سيئة، لمّا كانت نتيجة سيئة، إلا أنه لا يجوز الانتصار، و هو كقول عمرو بن كلثوم التغلبي‌[1].

ألا لا يجهلن أحد علينا

فنجهل فوق جهل الجاهلينا

فسمّى الجزاء على الجهل جهلا، و إن لم يكن في الحقيقة جهلا.

و عن هذا روت عائشة رضي الله عنها قالت: «ما رأيت النبي صلى اللّه عليه و سلم منتصرا من مظلمة ظلمها قطّ، غير أنه إذا انتهك شي‌ء من محارم الله، فلا يقوم لغضبه شي‌ء»[2].

و روي أنه قال: «ينادي مناد يوم القيامة، من كان له على الله أجر فليقم، فلا يقوم إلا من عفا في الدنيا»[3].

فإن عفوت أيها الطالب، كان أجرك على الله، و إن لم تعف كان حقّك قبل من ظلمك. و لأن يكون أجرك في ضمان الله تعالى، أوثق من أن يكون قبل‌


[1] - عمرو بن كلثوم بن مالك: أبو الأسود، من بني تغلب و أمه ليلى بنت المهلهل أخي كليب و الزير سالم، شاعر جاهلي ولد في بلاد ربيعة شمال الجزيرة، ساد قومه و هو فتى، و هو الذي قتل الملك عمرو بن هند، و هذا البيت من معلقته الشهيرة التي مطلعها( ألا هبي بصحنك فأصبحينا ....) و يقال أن معلقته وصلت إلى نحو ألف بيت، مات نحو سنة 40 قبل الهجرة.( الأعلام 5/ 84).

[2] - الحديث صحيح أخرجه الإمام الترمذي في الشمائل و هو عند الإمام مسلم بلفظ آخر مشابه( المغني عن حمل الأسفار في الأسفار رقم 3143).

[3] - ذكره ابن عساكر في تهذيب تاريخ دمشق 5/ 312. و رواه الطبراني في مكارم الأخلاق، و البيهقي في شعب الإيمان، و أبو نعيم في الحلية( تخريج الأحاديث و الآثار 3/ 243).

اسم الکتاب : سراج الملوك المؤلف : الطرطوشي، أبوبكر    الجزء : 1  صفحة : 224
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست