و أما العقل المكتسب: فهو نتيجة العقل الغريزي، و هو ثقابة المعرفة،
و إصابة الفكرة و ليس له حد ينتهي إليه، لأنه ينمو إذا استعمل، و ينقص إن أهمل،
و نماؤه يكون بأحد وجهين:
الوجه الأول:
إما أن يقارنه[2] من مبدأ
النشوء ذكاء و حسن فطنة، كالذي قال الأصمعي:
قلت لغلام حدث[3] من أولاد
العرب، كان يحدثني، و أمتعني الله بفصاحته و ملاحته: أ يسرّك أن يكون لك مائة ألف
درهم، و أنك أحمق؟ قال: لا و الله، قلت و لم؟ قال: أخاف أن يجني علي حمقي جناية
تذهب بمالي، و يبقى عليّ حمقي. فاستخرج هذا الصبي بفرط ذكائه ما يدق على من هو
أكبر منه سنا.
و قيل لبعض الصبيان: أ لك أب؟ قال: فكأني عيسى ابن مريم؟!.
و قد قالت الحكماء: آية العقل سرعة الفهم، و غايته إصابة الوهم، و
ليس للذكاء غاية، و لا لجودة القريحة[4] نهاية.
أ لا ترى أن إياس بن معاوية[5]،
الذي يضرب المثل بذكائه، قال لأبيه و هو طفل- و كان أبوه يؤثر أخاه عليه-: يا أبت
تعلم ما مثلي و مثل أخي معك: أنا كفرخ الحمام، أقبح ما يكون أصغر ما يكون، و كلما
كبر ازداد ملاحة و حسنا، فتبنى له العلالي، و تتّخذ له المربعات، و يستحسنه
الملوك، و مثل أخي مثل الجحش، أملح ما يكون أصغر ما يكون، و كلما كبر قبح و صار
إلى القهقري، إنما يصلح لحمل الزبل و التراب.