اسم الکتاب : سراج الملوك المؤلف : الطرطوشي، أبوبكر الجزء : 1 صفحة : 169
فقلت: زال عنّا الملك، فقلّ أنصارنا، و
انتصرنا بقوم من الأعاجم دخلوا ديننا، و لنا عبيد و أتباع فعلوا ذلك على كره منا،
فأطرق مليّا- يقلّب كفّيه و ينكت فى الأرض- ثم قال: ليس كما ذكرت، بل أنتم قوم
استحللتم ما حرم الله، و ظلمتم فيما ملكتم، فسلبكم الله العزّ بذنوبكم، و لله فيكم
نقمة لم تبلغ غايتها، و أخاف أن يحلّ بكم العذاب و أنتم ببلدي فيصيبنى معكم، و
إنّما الضيافة ثلاثة أيام، فتزوّدوا ما احتجتم إليه، و ارتحلوا عن بلدي. فتزودنا و
ارتحلنا.
و سئل بزرجمهر[1]: ما بال
ملك آل ساسان[2] صار إلى
ما صار إليه، بعد أن كان فيه من قوّة السلطان، و شدّة الأركان؟ فقال: ذلك لأنهم
قلّدوا كبار الأعمال صغار الرجال.
و عن هذا قالت الحكماء: موت ألف من العلية[3]،
أقلّ ضررا من ارتفاع واحد من السّفلة.
و فى الأمثال: إن زوال الدول باصطناع السّفل.
و قال الشافعي[4] رضى الله
عنه: أظلم الناس لنفسه اللئيم، إذا ارتفع جفا أقاربه، و أنكر معارفه، و استخفّ
بالأشراف، و تكبّر على ذوي الفضل.
و سئل بعض الملوك- بعد زوال ملكه- ما الذى سلبك ملكك؟ قال:
إعطاؤنا من بطر و طغى، و رفع عمل اليوم لغد.
و سئل بعض الملوك- بعد أن سلبوا ملكهم- ما الذى سلب عزّكم، و هدم
ملككم؟ فقال: شغلتنا لذّاتنا عن التفرّغ لمهماتنا. و وثقنا بكفاتنا[5] فآثروا مرافقهم علينا. و ظلم
عمّالنا رعيّتنا فانفسدت نيّاتهم لنا، و تمنّوا الراحة منا.
[1] - بزرجمهر: من حكماء الفرس و كان وزيرا لأنوشروان.
[4] - الإمام الشافعي: محمد بن إدريس، ولد فى غزّة
بفلسطين، و نشأ فى مكة، و درس على الإمام مالك فى المدينة، و هو إمام و مؤسس
المذهب الشافعى( أحد المذاهب الفقهية الأربعة)، توفي فى مصر سنة 204 ه، و قبره
معروف فى القاهرة بسفح جبل المقطم،( الأعلام 6/ 26).