اسم الکتاب : سراج الملوك المؤلف : الطرطوشي، أبوبكر الجزء : 1 صفحة : 157
الباب العاشر فى بيان معرفة خصال ورد
الشّرع بها فيها نظام الملك و الدّول
و هى ثلاثة: اللين و ترك الفظاظة، و المشاورة، و أن لا يستعمل على
الأعمال و الولايات راغب فيها و لا طالب لها، و لما علم الله تعالى ما فيها من
انتظام أمر الملّة، و استقامة الأمر، نص عليها الله سبحانه و رسوله.
اعلم: أن هذه الخصال من أساس الممالك، و قلّ من يعمل بها من الملوك:
اثنتان نزلتا من السماء، و واحدة قالها الرسول صلى اللّه عليه و سلم.
أما الإلهية: فقال الله تعالى:
فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَ لَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ
الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَ اسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَ
شاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ [آل عمران: 159]. و فى
الآية إشارتان:
إحداهما: ان الفظاظة تنفّر الأصحاب و الجلساء، و تفرّق الجموع و
الحشم، و إنما الملك ملك بجلسائه و أصحابه و حشمه و أتباعه، و أخلق[1] بخصلة تنفر الأولياء، و تطمع
الأعداء، فقمنّ[2] بكل سلطان
رفضها، و الاحتراز من سوء مغبّتها، و لتكن كما قال الله تعالى: وَ اخْفِضْ جَناحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [الشعراء: 215].
و روي أن النبى صلى اللّه عليه و سلم كان جالسا مع أصحابه، فجاء رجل
فقال: أيّكم ابن عبد المطلب؟ فقالوا: هذا الأبيض المتّكئ، فقال الرجل، يا ابن عبد
المطلب، فقال النبى صلى اللّه عليه و سلم: «قد أجبتك»، دلّ الأثر على أنه ما
استأثر بشرف المجلس، و لا فاتهم بزيّ، و لا مقعد.
و قد يبلغ باللّين ما لا يبلغ بالغلظة، أ لا ترى أنّ الرياح تهون
أصواتها[3]؛ فيتداخل
لها الشجر، و تنعطف الأفنان و الأغصان، و فى الفرط[4]
تنكسر