اسم الکتاب : سر الأسرار و مظهر الأنوار فيما يحتاج إليه الأبرار المؤلف : الجيلاني، عبد القادر الجزء : 1 صفحة : 47
الفصل التّاسع عشر في بيان الوجد و الصّفاء
قال اللّه تعالى: ... تَقْشَعِرُّ مِنْهُ
جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَ قُلُوبُهُمْ
إِلى ذِكْرِ اللَّهِ [الزّمر: الآية 23]، و قال اللّه تعالى: أَ فَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلى
نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ [الزّمر: الآية 22]، و قال رسول اللّه 6: «جذبة من جذبات الحقّ توازي عمل الثّقلين»[1].
و قال عليّ كرّم اللّه وجهه: «من لا وجد له لا دين له».
قال الجنيد البغداديّ: الوجد في مصادفة الباطن من اللّه وارد يورث
سرورا و حزنا.
فالوجد على نوعين: وجد الجسمانيّة النّفسانيّة، و وجد الرّوحانيّة
الرّحمانيّة.
فالوجد النّفسانيّة: أن يتواجده بقوّة الجسم بغير قوّة الجذبة
الغالبة الرّوحانيّة مثل الرّياء و السّمعة و الشّهرة، و هذا القسم كلّه باطل لأنّ
اختياره غير مغلوب و مسلوب، و لا يجوز الموافقة بمثل هذا الوجد.
و أمّا وجد الرّوحانيّة: بقوّة الجذبة بمثل قراءة القرآن بصوت حسن،
أو شعر موزون، أو ذكر مؤثر، فلا يبقى للجسم قوّة و اختيار، و هذا الوجد روحانيّ و
رحمانيّ فيستحب موافقته، و إليه إشارة في قوله تعالى:
فَبَشِّرْ عِبادِ (17) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ
أَحْسَنَهُ ... [الزّمر: الآيتان 17، 18]، و كذا صوت العشّاق و الطّيور و ألحان
الأغاني، فكلّ ذلك قوّة للرّوح لا مدخل للنّفس و الشّيطان في مثل هذا الوجد، لأنّ
الشّيطان يتصرّف في الظّلمانيّة النّفسانيّة و لا يتصرّف في النّورانيّة
الرّوحانيّة، لأنّه يذوب فيها كما يذوب الملح في الماء، و كذا في الحديث لأنّه قال
قراءة الآيات و أشعار الحكمة و المحبّة و العشق و الأصوات الحزينة قوّة نورانيّ
للرّوح.
فالواجب أن يصل النّور إلى النّور، و هو الرّوح كما قال اللّه تعالى: وَ الطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّباتِ
[النّور: الآية 26].
أمّا إذا كان الوجد شيطانيّا و نفسانيّا فلا يكون فيه نور، بل يكون
ظلمانيّا و كفرا، و الظّلمة تصل إلى الظّلمانيّ و هي النّفس فيغري بجلسته كما قال
اللّه تعالى: الْخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ ...
[النّور: الآية 26] و ليس للرّوح فيها قوّة.