responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : سر الأسرار و مظهر الأنوار فيما يحتاج إليه الأبرار المؤلف : الجيلاني، عبد القادر    الجزء : 1  صفحة : 23

مثال من يتوب عن مجرّد الذّنوب الظّاهرة كمن يقطع حشيش الزّرع من فرعه و لا يشتغل بقلعه من أصوله، فينبت ثانيا لا محالة، بل أكثر ممّا ينبت أوّلا.

و مثال التوّاب من الذّنوب و الأخلاق الذّميمة كمن يقطعه من أصوله، فلا جرم أنّه لا ينبت بعده إلّا نادرا.

فالتّلقين آلة قطع ما سوى اللّه تعالى من قلب المتلقن؛ لأنّ من لم يقطع الشّجر المرّ لا يصل إلى الشّجر الحلو موضعه، فاعتبر، فافهم، كما قال اللّه تعالى: وَ هُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَ يَعْفُوا عَنِ السَّيِّئاتِ ... [الشّورى: الآية 25]، و كما قال اللّه تعالى‌ ... مَنْ تابَ وَ آمَنَ وَ عَمِلَ عَمَلًا صالِحاً فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ ...

[الفرقان: الآية 70].

فالتّوبة على نوعين: توبة العامّ، و توبة الخاصّ.

فتوبة العامّ: أن يرجع من المعصية إلى الطّاعة، و من الذّميمة إلى الحميدة، و من الجحيم إلى الجنّة، و من راحة البدن إلى مشقّة النّفس بالذّكر و الجهد و السّعي القويّ.

و توبة الخاصّ: أن يرجع بعد حصول هذه التّوبة من الحسنات إلى المعارف، و من المعارف إلى الدّرجات، و من الدّرجات إلى القربة، و من القربة و اللّذّات النّفسانيّة إلى اللّذّات الرّوحانية، و هو ترك ما سوى اللّه تعالى و الأنس به، و النّظر إليه بعين اليقين.

و هؤلاء المذكورات من كسب الوجود، و كسب الوجود ذنب كما قيل: وجودك ذنب لا يقاس به ذنب آخر كما قالوا: «حسنات الأبرار سيئات المقرّبين، و سيّئات المقرّبين حسنات الأبرار»[1]. و لذلك كان النّبيّ 6 يستغفر كلّ يوم مئة مرّة كما قال اللّه تعالى: وَ اسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ‌ [غافر: الآية 55؛ و محمد: الآية 19]- أي: لذنب وجودك- و هذا هو الإنابة؛ فإنّ الإنابة الرّجوع عن كلّ ما سوى اللّه إليه، و الدّخول في سلّم القربة في الآخرة، و النّظر إلى وجه اللّه تعالى كما قال 6: «إنّ للّه عبادا أبدانهم في الدّنيا و قلوبهم تحت العرش»[2]. فإنّ رؤية اللّه لا تحصل في الدّنيا، بل تحصل رؤية صفات اللّه تعالى‌


[1] - أورده العجلوني في كشف الخفاء( 1/ 428).

[2] - لم أقف عليه.

اسم الکتاب : سر الأسرار و مظهر الأنوار فيما يحتاج إليه الأبرار المؤلف : الجيلاني، عبد القادر    الجزء : 1  صفحة : 23
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست