اسم الکتاب : سر الأسرار و مظهر الأنوار فيما يحتاج إليه الأبرار المؤلف : الجيلاني، عبد القادر الجزء : 1 صفحة : 136
المقالة الثانية و السبعون فيمن إذا دخل
الأسواق و مال إلى ما فيها و من إذا دخلها و صبر
قال رضي اللّه تعالى عنه و أرضاه: الذين يدخلون الأسواق من أهل الدين
و النسك في خروجهم إلى أداء ما أمر اللّه تعالى من صلاة الجمعة، الجماعة و قضاء
حوائج تسنح لهم على أضرب:
منهم من إذا دخل السوق و رأى فيه من أنواع الشهوات و اللذات تقيد
بهما و علقت بقلبه فتن، و كان ذلك سبب هلاكه و تركة دينه و نسكه و رجوعه إلى
موافقة طبعه و اتباع هواه إلا أن يتداركه عزّ و جلّ برحمته و عصمته و إصباره إياه
عنها فتسلم.
و منهم من إذا رأى ذلك كاد أن يهلك بها رجع إلى عقله و دينه و تصبر و
تجرع مرارة تركها، فهو كالمجاهد ينصره اللّه تعالى على نفسه و طبعه و هواه، و يكتب
له الثواب الجزيل في الآخرة.
كما جاء في بعض الأخبار عن النبي صلى اللّه عليه و سلم أنه قال:
«يكتب للمؤمنين بترك شهوة عند العجز عنها أو عند المقدرة سبعون حسنة» أو كمال قال.
و منهم من يتناولها و يتلبس بها و يحصلها بفضل نعمة اللّه عزّ و جلّ
التي عنده من سعة الدنيا و المال، و يشكر اللّه عزّ و جلّ عليها.
و منهم من لا يراها و لا يشعر بها، فهو أعمى عن ما سوى اللّه عزّ و
جلّ، فلا يرى غيره، و أصم عما سواه فلا يسمع من غيره، عنده شغل عن النظر إلى غير
محبوبه و اشتهائه، فهو في معزل عما العالم فيه فإذا رأيته و قد دخل السوق فسألته
عما رأى في السوق يقول ما رأيت شيئا. نعم قد رأى الأشياء لكن قد رآها ببصر رأسه لا
ببصر قلبه، و نظرة فجاءة لا نظرة شهوة، نظر صورة لا نظر معنى، نظر الظاهر لا نظر
الباطن، فبظاهره ينظر إلى ما في السوق و بقلبه ينظر إلى ربّه عزّ و جلّ، إلى جلاله
تارة و إلى جماله تارة أخرى.
و منهم من إذا دخل السوق امتلأ قلبه باللّه عزّ و جلّ رحمة لهم،
فتشغله الرحمة لهم عن النظر إلى ما لهم و بين أيديهم فهو من حين دخوله إلى حين
خروجه في الدعاء و الاستغفار و الشفاعة لأهله و الشفقة و الرحمة عليهم و لهم،
رعينه مغزورة و لسانه
اسم الکتاب : سر الأسرار و مظهر الأنوار فيما يحتاج إليه الأبرار المؤلف : الجيلاني، عبد القادر الجزء : 1 صفحة : 136