اسم الکتاب : سر الأسرار و مظهر الأنوار فيما يحتاج إليه الأبرار المؤلف : الجيلاني، عبد القادر الجزء : 1 صفحة : 135
فإن كنت مريدا فأنت محمل و حمال يحمل كل
شديد و ثقيل، لأنك طالب و الطالب مشقوق عليه حتى يصل إلى مطلوبه و يظفر بمحبوبه و
يدرك مرامه، و لا ينبغي لك أن تنفر من بلاء ينزل بك في النفس و المال و الأهل و
الولد، إلى أن يحط عنك الأعمال، و يزال عنك الأثقال، و يرفع عنك الآلام و يزال عنك
الأذى و الإذلال، فتصان عن جميع الرذائل و الأدران و الأوساخ و المهانات و
الافتقار إلى الخليقة و البريات؛ فتدخل في زمرة المحبوبين المدللين المرادين.
و إن كنت مرادا فلا تتهمن الحق عزّ و جلّ في إنزال البلية بك أيضا، و
لا تشكن في منزلتك و قدرك عنده عزّ و جلّ، لأنه قد يبتليك ليبلغك مبلغ الرجال، و
يرفع منزلتك إلى منازل الأولياء.
أتحب ما يحط منزلتك عن منازلهم و درجاتك عن درجاتهم و أن تكون خلعتك
و أنوارك و نعيمك دون مالهم، فإن رضيت أنت بالدون فالحق عزّ و جلّ لا يرضى لك
بذلك. قال اللّه تعالى: وَ اللَّهُ يَعْلَمُ وَ أَنْتُمْ لا
تَعْلَمُونَ [البقرة: الآية 216] يختار لك الأعلى و الأسنى و الأرفع و الأصلح و
أنت تأبى.
فإن قلت: كيف يصلح ابتلاء المراد مع هذا النعيم و البيان مع أن
الابتلاء إنما هو للمحب، و المدلل إنما هو المحبوب.
يقال لك ذكرنا الأغلب أولا و سمرنا بالنادر الممكن ثانيا.
لا خلاف أن النبي صلى اللّه عليه و سلم كان سيد المحبوبين أشد الناس
بلاء، و قد قال صلى اللّه عليه و سلم:
«لقد خفت في اللّه ما لا يخافه أحد، و لقد أوذيت في اللّه ما لم يؤذه
أحد، و لقد أتى عليّ ثلاثون يوما و ليلة و ما لنا طعام إلا شيء يواريه إبط بلال»،
و قد قال صلى اللّه عليه و سلم: «إنّا معاشر الأنبياء أشد الناس بلاء ثم الأمثل
فالأمثل»، و قال صلى اللّه عليه و سلم: «أنا أعرفكم باللّه و أشدكم منه خوفا»،
فكيف يبتلى المحبوب و يخوف المدلل؟ المراد و لم يكن ذلك إلا بما أشرنا إليه من
بلوغ المنازل العالية في الجنة لأن المنازل في الجنة لا تشيد و لا ترفع بالأعمال
في الدنيا.
الدنيا مزرعة الآخرة، و أعمال الأنباء و الأولياء بعد أداء الأوامر و
انتهاء النواهي و الصبر و الرضا و الموافقة في حالة البلاء يكشف عنهم البلاء و
يواصلون بالنعيم و الفضل و الدلال و اللقاء أبد الآباد، و اللّه أعلم.
اسم الکتاب : سر الأسرار و مظهر الأنوار فيما يحتاج إليه الأبرار المؤلف : الجيلاني، عبد القادر الجزء : 1 صفحة : 135