إن المسافر في طريق الله و الخلوص و العبوديّة
الحقّة لا يخاف من هؤلاء الأعداء؛ فهو يشمّر ساعد الهمّة مستعيناً بتلك النغمة
القدسيّة ليتقدّم نحو المقصد و يخرج من عالم الخيالات المسمّى ب- «البرزخ». و يجب
أن يكون السالك حذراً جدّاً و متيقّظاً حتّى لا يبقى شيء من هذه الخيالات في
زوايا بيت القلب، لأنَّ دأب هذه الموجودات الخياليّة أن تخبّئ نفسها عندما يُراد
إخراجها في زاوية مظلمة من زوايا القلب بحيث يظنّ السالك المنخدع أنه قد تخلّص من
شرّها، و لم يبقَ فيه شيء من بقايا عالم البرزخ، ولكن ما أن يجد المسافر طريقه
إلى نبع الحياة يريد أن يرتوي من عيون الحكمة حتّى تنصبّ عليه فجأة، شاهرة سيف
القهر و الجفاء فتقضي عليه.
مَثَلُ هذا السالك مَثَلُ من يصبّ الماء في حوض بيته، و يتركه مدّة
لا يلمسه حتّى تترسّب كلّ الأوساخ فيظهر الماء في الحوض صافياً فيظنّ أنَّ هذا
الصفاء و هذه الطهارة الحاصلة دائمة، ولكن بمجرّد إرادته الغوص أو تطهير شيء
بالحوض تعود تلك الأوساخ لتلوّث هذا الماء الصافي و تظهر على سطحه بشكل قطع سوداء.
فينبغي للسالك أن يستمرّ بالمجاهدة و الرياضة إلى أن يحصل على هدوء البال و
استقرار الخاطر حتّى تترسّب آثار الخيال