و أيضا من خصال النبوّة معرفة كيفيّة سياسة
النفوس الشريرة عن قصد سبيل الرّشاد، وردها عن سلوكها في و عور طريقة البغي
بالتمادي، و معرفة كيفية سياسة النفوس الساهية و الأرواح اللاهية من طول الرقاد، و
نسيانها ذكر المعاد بالتذكار لها يوم المعاد، لئلا يقولوا: ما جاءنا من بشير و لا
نذير و لا كتاب! و من خصال النبوة أيضا إجراء السّنّة في الشريعة، و إيضاح المنهاج
في الملّة، و تبيين الحلال و الحرام، و تفصيل الحدود و الأحكام في أمور الدنيا
جميعا، ثم التزهيد في الدنيا، و ذمّ الراغبين فيها، و تفصيل أحكام الخاصّ و العامّ
و ما بينهما من سائر طبقات الناس، و ما شاكل هذه الخصال المعروفة بين أهل العلم،
الموجود وضعها في الكتب المنزلة من التوراة و الإنجيل و القرآن و صحف الأنبياء
:.
فأما خصال الملك فأولها أخذ البيعة على الأتباع المستجيبين، و ترتيب
الخاصّ و العام مراتبهم، و جباية الخراج و العشر و الجزية من الملّة، و تفريق
الأرزاق على الجند و الحاشية، و حفظ الثغور، و تحصين البيضة، و قبول الصّلح و
المهادنة من الملوك و الرؤساء من الأمور المستحبة، و الهدايا لتأليف القلوب و شمل
الألفة، و ما شاكل هذه الخصال المعروفة بين الرؤساء و الملوك.
ثم اعلم أنه ربما تجتمع هذه الخصال في شخص واحد من البشر في وقت من
الزمان، فيكون هو النبيّ المبعوث و هو الملك، و ربما تكون في شخصين اثنين: أحدهما
النبي المبعوث إلى تلك الأمة و الآخر المسلّط عليهم.
و اعلم أنه لا قوام لأحدهم إلّا بالآخر كما قال ملك الفرس أردشير في
وصيته: إن الملك و الدين أخوان توأمان لا قوام لأحدهما إلّا بالآخر، و ذلك أن
الدين أسّ الملك و الملك حارسه، فما لا أسّ له مهدوم، و ما لا حافظ له ضائع، و لا
بدّ للملك من أسّ، و لا بد للدين من حارس.