و الأعياد، و الحجّ، و الغزو، و تولية
القضاة و العدول، و فتوى الفقهاء، و يصدرون كلهم عن رأيه و تدبيره، و أمره و نهيه،
فهذا هو الأصل المتّفق بينهم في حاجاتهم إلى الإمام.
و أما من ينبغي أن يكون الإمام، و من هو، فهم فيه مختلفون على رأيين
و مذهبين، فمنهم من يرى و يعتقد أنه لا ينبغي إلّا أن يكون أفضلهم كلّهم بعد
نبيها، و أقربهم إليه نسبة، و يكون قد نصّ عليه، و منهم من يرى بخلاف ذلك. و لهم
في هذين الرأيين منازعات و خصومات، يطول شرحها، مذكورة في كتبهم، و لكن نحتاج إلى
أن نذكر علّة اختلافاتهم من أين كان بدؤها، و من أين أشكل الأمر عليهم فيه.
و اعلم أن الإمامة إنما هي خلافة، و الخلافة نوعان: خلافة النبوة، و
خلافة الملك. و الكلام في خصال الإمامة و تعديد شرائطها قبل معرفة خصال النبوّة و
تحصيل شرائطها، و قبل معرفة خصال الملك و شرائطه و الفرق بينهما، كلام على غير
أصله. و كل كلام على غير أصل هذيان لا تحقيق له! و نحتاج إلى أن نذكر أولا خصال
النبوّة قبل خصال الملك فنقول:
إن أول خصال النبوة الوحي، و الأنبياء من الملائكة، ثم إظهار الدعوة
في الأمة، ثم تدوين الكتاب المنزل بالألفاظ الوجيزة، و تبيين قراءته في الفصاحة،
ثم إيضاح تفسير معانيه و بلوغ تأويله، ثم وضع السّنن المركّبة، و مداواة النفوس
المريضة من المذاهب الفاسدة، و الآراء السخيفة، و العادات الرديئة، و الأعمال
السيئة، و الأفعال القبيحة. ثم نقلها من تلك العادات و تلك الآراء، و محوها عن
ضمائرها بذكر عيوبها، و مداواتها من أسقام تلك العادات بالحميّة لها من العود
إليها، و إشفائها[1] بالرأي
الرصين، و العادات الجميلة، و الأعمال الزكية، و الأخلاق الحميدة، بالمدح و
الترغيب في جزيل الثّواب ليوم المآب.
[1] -اشفاؤها: اعطاؤها الشيء لتشتفي به، و تأتي بمعنى
شفائها.