responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : حى بن يقظان المؤلف : ابن طفيل    الجزء : 1  صفحة : 35

شعوره بعراه و ستر عراه بريش الطيور.

فكانت نفسه عند ذلك تنتزعه الى اتخاذ ذنب من اذناب الوحوش الميتة، ليعلقه على نفسه. الا انه كان يرى احياء الوحوش تتحامى ميتها، و تفرّ عنه، فلا يتأتى له الاقدام على ذلك الفعل الى ان صادف في بعض الايام نسرا ميتا فهدي الى نيل امله منه، و اغتنم الفرصة فيه، اذ لم ير للوحوش عنه نفرة، فأقدم عليه، و قطع جناحيه و ذنبه صحاحا كما هي، و فتح ريشها و سواها، و سلخ عنه سائر جلده، و فصله على قطعتين: ربط احداهما على ظهره، و الاخرى على سرّته و ما تحتها، و علّق الذنب من خلفه، و علق الجناحين على عضديه، فأكسبه ذلك سترا و دفئا و مهابة في نفوس جميع الوحوش، حتى كانت لا تنازعه و لا تعارضه.

موت الظبية.

فصار لا يدنو اليه شي‌ء منها، سوى الظبية التي كانت ارضعته و ربته. فانها لم تفارقه و لا فارقها الى ان اسنت و ضعفت، فكان يرتاد بها المراعي الخصبة، و يجتني لها الثمرات الحلوة و يطعمها.

و ما زال الهزال و الضعف يستولي عليها و يتوالى، الى ان ادركها الموت، فسكنت حركاتها بالجملة، و تعطلت جميع افعالها. فلما رآها الصبي على تلك الحالة، جزع جزعا شديدا، و كادت نفسه تفيض أسفا عليها. فكان يناديها بالصوت الذي كانت عادتها ان تجيبه عند سماعه، و يصيح بأشد ما يقدر عليه، فلا يرى لها عند ذلك حركة و لا تغييرا.

لا تبدل ظاهر.

فكان ينظر الى اذنيها و الى عينيها، فلا يرى بها آفة ظاهرة، و كذلك كان ينظر الى جميع اعضائها فلا يرى بشي‌ء منها آفة. فكان يطمع ان يعثر على موضع الآفة فيزيلها عنها، فترجع الى ما كانت عليه، فلم يتأت له شي‌ء من ذلك، و لا استطاعه. و كان الذي ارشده لهذا الرأي ما كان قد اعتبره في نفسه قبل ذلك، لانه كان يرى انه اذا غمّض عينيه، او حجبهما بشي‌ء، لا يبصر شيئا، حتى يزول ذلك العائق.

اسم الکتاب : حى بن يقظان المؤلف : ابن طفيل    الجزء : 1  صفحة : 35
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست