responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : حى بن يقظان المؤلف : ابن طفيل    الجزء : 1  صفحة : 34

البطش، عند ما كانت تنازعه الوحوش اكل الثمرات، و تستبد بها دونه، و تغلبه عليها، فلا يستطيع المدافعة عن نفسه و لا الفرار عن شي‌ء منها. و كان يرى اترابه من اولاد الظباء قد نبتت لها قرون، بعد ان لم تكن، و صارت قوية بعد ضعفها في العدو.

و لم ير لنفسه شيئا من ذلك كله. فكان يفكر في ذلك و لا يدري ما سببه. و كان ينظر الى ذوي العاهات و الخلق الناقص، فلا يجد لنفسه شبيها فيهم. و كان ايضا ينظر الى مخارج الفضول من سائر الحيوان، فيراها مستورة. اما مخرج اغلظ الفضلتين فبالاذناب و اما مخرج أرقهما فبالاوبار و ما اشبهها، و لانها كانت ايضا اخفى قضبانا منه.

لما بلغ حي سبعة اعوام كان يستخدم الكساء من اوراق الشجر و السلاح من اغصان الشجر للدفاع عن نفسه ضد الحيوان‌

فكان ذلك كله يكربه و يسوءه. فلما طال همه في ذلك كله، و هو قد قارب سبعة اعوام، و يئس من ان يكمل له ذلك، و ما قد اضرّ به نقصه، اتخذ من اوراق الشجر العريضة شيئا، جعل بعضه خلفه، و بعضه قدامه، و عمل من الخوص و الحلفاء (شبه) حزام على وسطه، علق به تلك الاوراق. فلم يلبث الا يسيرا حتى ذوى ذلك الورق، و جف و تساقط عنه. فما زال يتخذ غيره و يخصف بعضه ببعض طاقات مضاعفة، و ربما كان ذلك اطول لبقائه، الا انه على كل حال قصير المدة.

شعوره بانه اسمى من الحيوان.

و اتخذ من اغصان الشجر عصيّا، سوى اطرافها و عدل متنها. و كان يهش بها على الوحوش المنازعة له، فيحمل على الضعيف منها، و يقاوم القوي منها، فنبل بذلك قدره عند نفسه بعض نبالة. و رأى ان ليده فضلا كثيرا على ايديها، اذ امكن له بها ستر عورته، و اتخاذ العصي التي يدافع بها عن حوزته ما استغنى به عما اراده من الذنب و السلاح الطبيعي.

و في خلال ذلك ترعرع و اربى على السبع سنين، و طال به العناء في تجديد الاوراق التي كان يستتر بها.

اسم الکتاب : حى بن يقظان المؤلف : ابن طفيل    الجزء : 1  صفحة : 34
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست