اسم الکتاب : شرح كلمات باباطاهر العريان؛ مسايل حكمية فى المعارف و المشاهدات الربانيه المؤلف : عين القضاة الجزء : 1 صفحة : 44
أقول: أي، العقل نور يهتدي به العبد إلى
طريق العبوديّة، فكما يهتدي السالك بالنور الحسّي إلى سواء السبيل، و يعرف المسالك
من المهالك، و الغيّ من الرشد؛ فكذلك يهتدي العبد بالنور العقلي إلى طريق الحقّ، و
يعرف الحقّ من الباطل، و الطاعة من المعصية، و العلم من الجهل
و تقييده بالإضافة إلى العبوديّة، يفيد أنّه آلة الاهتداء إلى العبوديّة،
لا الربوبيّة، و بيّن ذلك بقوله: (فإذا نظر الناظر بسراج العبوديّة إلى معرفة
الربوبيّة، أطفأ نور الربوبيّة سراج العبوديّة)؛ لأنّ نور الربوبيّة أقوى، و النور
القوي يطفىء النور الضعيف، كإطفاء نور الشمس نور السراج.
و إذا انطفأ نور العقل، صار الناظر في ظلمة الحيرة، لا يفرّق
الربوبيّة، و لا العبوديّة، و استعار لنور العقل لفظ السراج؛ إشارة إلى معنيين:
الأوّل: أنّ نور العقل لا يزيل ظلمة الجهل بالكلّية، كما أنّ السراج
لا يزيل ظلمة الليل بالكلّية، و النور الذي يزيل ظلمة الجهل بالكلّية نور الكشف،
بمثابة نور الشمس الذي يزيل ظلمة الليل بأسرها.
و الثاني: من نور العقل الواحد تقتبس أنوار العقل الكثيرة، كما تقتبس
السّرج الكثيرة، من سراج واحد.
و قال: (العقل دليل العبوديّة، يهتدي به إلى حقيقة الصبّورية، فمن
استدلّ على المعرفة صار دليله معروفه، يعبده من دون اللّه عزّ و جلّ).
أقول: قد سبق القول في كون العقل دليل العبوديّة، و أمّا كون
الاهتداء به إلى حقيقة الصبّورية؛ فلأنّه دليل العبوديّة، و العبوديّة انقياد
لأحكام الربوبيّة و الأحكام، إمّا أوامر تطلب من النفس فعل ما تريد تركه، أو نواه
تطلب منها ترك ما تريد فعله، و هي كلّها مكاره للنفس، و حبسها عليها حقيقة
الصبّورية.
و في هذا القول إشارة إلى أنّ مراد الحقّ من عبوديّة العبد، إعطاؤه
وصف الصبّورية إيّاه بسببها، لا اجتلاب منفعة لنفسه، و أداء لتحقيق كونه دليل
العبوديّة، فحيث لا يكون دليل الربوبيّة لم يهتد إليها، و صار عين الدليل معروفه،
و هو يحسبه الإله المعبود، فيعبد العقل من دون اللّه تبارك و تعالى.
اسم الکتاب : شرح كلمات باباطاهر العريان؛ مسايل حكمية فى المعارف و المشاهدات الربانيه المؤلف : عين القضاة الجزء : 1 صفحة : 44