اسم الکتاب : شرح كلمات باباطاهر العريان؛ مسايل حكمية فى المعارف و المشاهدات الربانيه المؤلف : عين القضاة الجزء : 1 صفحة : 162
ثمّ لمّا أجاب عنه بقوله: عزفت، يعني عن
الدنيا ... الحديث؛ فأخبر عن علامة صدقه بعزوف الناس، و إعراضه عن الدنيا، و شهود الغيب،
قال رسول اللّه 6: «أصبت فالزم»[1]،
فصدّق دعواه بعلامة صدّقها.
و علامة صدق من ادّعى التكلّم بالحقّ، ترك ما فيه حظّ النفس من
الدنيا، و هو معنى قوله: (من تكلّم ...) الخ، أي من تكلّم في دقائق الطريقة و
الحقيقة، و ادّعى تكلّمه بالحقّ، و لم يأت بعلامة صدق مدّعاه، من ترك العوائق و
العلائق، فهو قرين الشيطان، يعلّمه الحكمة؛ لافتتان الناس به.
قال: (من تكلّم من وراء الحجب أخبر عن باطن العلم، و من تكلّم من
الدار أخبر عن غرائب الأسرار).
أقول: أي من علامات من تكلّم بالحقّ من وراء حجب الغيب، و من مقام
شهود الأسرار، المعبّر عنه بالدار، أن يخبر عن باطن العلم، الذي هو علم الغيب و
المعرفة، و عن الأسرار الغيبيّة.
و قال: (جميع ما ظهر من العلوم للخليقة، من حملها ثمّ لم ينطق به
لسان، و لا أوقف عليه أحد، إلّا من شاء اللّه من أهل الولاية، خفى؛ لعزيز الغيرة،
لأهل الولاية).
أقول: جميع مبتدأ خبره خفى، و الخليقة بمعنى المخلوق، و التاء للخروج
من الوصفيّة إلى الاسمية، كما في الحقيقة و الخليقة، و الهاء ضمير العلوم، و
العزيز بمعنى الغالب، و منه قولهم: في عزيز.
أي كلّ علم ظهر لمن خلق له، و لا ينطق به لسان، و لا يطلع عليه سوى
ما أطلعه اللّه من أهل الولاية، فهو علم مستور، لغلبة غيرة الأولياء على كشفه،
[1] - رواه الطبراني في المعجم الكبير، عن الحارث بن
مالك الأنصاري حديث رقم( 3367)[ 3/ 266]؛ و ابن أبي شيبة في مصنفه، حديث رقم(
30425)[ 6/ 170]؛ و رواه غيرهما و نص رواية الطبراني هي:« عن الحارث بن مالك
الأنصاري أنه مرّ برسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقال له:« كيف أصبحت يا حارث»؟
قال: أصبحت مؤمنا حقّا، فقال:« انظر ما تقول، فإن لكل شيء حقيقة فما حقيقة
إيمانك»؟ فقال: قد عزفت نفسي عن الدنيا، و أسهرت لذلك ليلي و أظمأت نهاري و كأني
أنظر إلى عرش ربّي بارزا، و كأني أنظر إلى أهل الجنة يتزاورون فيها، و كأني أنظر
إلى أهل النار يتضاغون فيها. فقال:« يا حارث عرفت فالزم ثلاثا».
اسم الکتاب : شرح كلمات باباطاهر العريان؛ مسايل حكمية فى المعارف و المشاهدات الربانيه المؤلف : عين القضاة الجزء : 1 صفحة : 162