اسم الکتاب : شرح كلمات باباطاهر العريان؛ مسايل حكمية فى المعارف و المشاهدات الربانيه المؤلف : عين القضاة الجزء : 1 صفحة : 156
و إرادة الشرّ في إرادة الخير صورة و
استهزاء، فلذلك قال سبحانه: و اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ
بِهِمْ وَ يَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (15)
[البقرة: الآية 15].
و في حقّ المؤمنين إيقافهم موقفا يحسبون أنّه مقام الكمال و الوصول،
و المراد بذلك الإيقاف منعهم عنه بقهر العزّة؛ لاقتضائها أن لا يرد جناب الحقّ كلّ
وارد، إلّا واحد بعد واحد، فمن السائرين إلى اللّه تعالى من يعوّق عنه بالأنس، و
الركون إلى طاعته، و هو يحبسه الأنس باللّه، و ليس كما يزعم.
و منهم من يمنع بشيء من المقامات كالتوبة، و الصبر، و الشكر، و
التوكّل، حيث يحسبه منتهى الوصول إذ ليس الأمر كذلك، لأنّ كلّا منها موقف من مواقف
العبودية، وَ أَنَّ إِلى رَبِّكَ الْمُنْتَهى
(42) [النّجم: الآية 42].
و منهم من يردّ بشيء من الكرامات، و خوارق العادات، كما قال الجنيد-
;-: المكر المشي في الهواء، و على الماء، و إجابة السؤال، و صدق الوهم، و
صحّة الإشارة، وسعة الرزق، كلّ ذا مكر علم، من علم، و جهل من جهل.
و منهم من يمكر به للأمن، كما قال الشبليّ- ;-: اخترنا
التصوّف خوفا من مكر اللّه، فإذا كلّه مكر. و لو لا هذا لما مرىء العيش؛ كما قال
النوريّ: لو لا المكر لما طاب عيش الأولياء. و قال رويم- عليه الرحمة-:
المكر وعد و أذى.
و فهم المكر من أدقّ الفهوم، لا يكاد يسلم إلّا الآحاد و الأفراد،
قال النوريّ: المكر لا يفهمه إلّا صاحب الوصل، و المريد لا يدري؛ لأنّه في شوق و
حرقة.
و أمّا هذا المعنى من طرف الكفار، فإخفاؤهم إرادة بكنه الإسلام، و
إظهار غير المراد؛ كإظهار المنافقين صورة الموافقة، مع إخفاء المخالفة، و سمّوه
استهزاء و خداعا؛ إذ قالوا: قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ
إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ [البقرة: الآية 14]، و عين
ما ابتلوا به وَ مَكَرُوا وَ مَكَرَ اللَّهُ وَ اللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ (54) [آل عمران: الآية 54].
اسم الکتاب : شرح كلمات باباطاهر العريان؛ مسايل حكمية فى المعارف و المشاهدات الربانيه المؤلف : عين القضاة الجزء : 1 صفحة : 156