اسم الکتاب : شرح كلمات باباطاهر العريان؛ مسايل حكمية فى المعارف و المشاهدات الربانيه المؤلف : عين القضاة الجزء : 1 صفحة : 110
بمعنى أنّ صاحبه لا يرى لنفسه ملكا في
الدنيا و الآخرة، فكلّ منسوب إليه من الزهد، و الصبر، و التوكّل، و الرّضا، و
المحبّة، و العلم، و القدرة، و الإرادة، بل الوجود و الذات لا يراه له، و هذا
الفقير لو قدّر له التصرّف في جميع الدنيا لا يقدح في فقره.
و قوله: (الفقر بحر البلاء)، يمكن حمله على الفقر العامّ و الخاصّ.
فعلى الأوّل: معناه الاحتياج إلى الغير بحر البلاء؛ لأنّ المحتاج في
وجوده إلى موجد، يكون مأمورا تحت تصرّفاته و تقليباته، و لا يثبت له وجود بالذات،
و العلم كالسفينة يمسكه عن الغرق، حتى إذا جاء موج الوجد أغرق سفينة العلم، و ما
يمسكها من الوجود، و استهلك الواجد في الموجود، و نجا من بحر البلاء.
و على الثاني: أنّ الفقر الرسميّ بلاء من اللّه تعالى، ليبلو عبده
بذلك أيصبو إليه و يتوكّل عليه، أم لا! و العلم بأنّ
اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ
[الذّاريات: الآية 58] سفينته، تنجيه من الغرق في بحر البلاء للاهتمام بالرزق، و
يحتاج إلى هذه السفينة ما لم يتلاطم البحر، و لم يدركه موج الوجد، فإذا جاء الوجد
و أغرق السفينة، و استغرق الواجد في الموجود، لم يحتج حينئذ إلى حفظ العلم إيّاه،
بل ينجو من الفقر، و يصير غنيّا باللّه سبحانه.
و قال: (الفقير الخالص، الذي لا يبقى عليه من موافقة الحقّ في حقيقة
فقره، إلّا مباينة اسمه من اسمه).
أقول: يعني الفقير الحقيقيّ هو الذي يتخلّق بجميع الأخلاق الربّانية،
و يوافق الحقّ في كل اسم و صفة، إلّا في اسمه الخاصّ، الذي يتميّز به الواجب عن
الممكن، و لا مشاركة له فيه أبدا، و كلّ ما سواه فقير إليه، و إنّما يكون الفقير
الحقيقيّ كذلك؛ لأنّه فان عن وجوده بالكلّية، باق ببقاء الحقّ بعد الفناء.
فإن قيل: استثناء اسم الغنيّ خلاف قول المحقّقين؛ إذ الإنسان تصلح
فطرته للتسمّي بجميع الأسماء الإلهيّة.
اسم الکتاب : شرح كلمات باباطاهر العريان؛ مسايل حكمية فى المعارف و المشاهدات الربانيه المؤلف : عين القضاة الجزء : 1 صفحة : 110