و حكي: أن بنت عبد اللّه بن مطيع قالت لزوجها، طلحة بن عبد اللّه بن عوف، و كان أجود قريش ما رأيت الامرّ[1] من اخوانك.
فقال لها: و لم؟
قالت: رأيتهم اذا أيسرت لزومك، و اذا أعسرت تركوك.
فقال لها: هذا- و اللّه- من كرمهم يأتوننا في حال القوة لنا عليهم، و يتركوننا في حال الضعف بنا عنهم.
فانظر كيف تأوّل بكرمه هذا التأويل، فجعل قبيحهم حسنا، و هذا محض الكرم، و بمثل هذا يلزم ذوي الفضل أن يتأولوا هفوات اخوانهم.
قال الشاعر:
اذا شئت أن تدعى كريما مكرما
أديبا لبيبا فاضلا فطنا حرا
اذا ما بدت من صاحب لك زلة
فكن أنت محتالا لزلّته عذرا
(أحب)[2] الذي ينفي الفواحش سمعه
كأن به عن كل فاحشة وقرا
و الداعي الى هذا التأويل، التغافل الحادث عن الفطنة، و التألف الصادر عن الوفاء.
قال بعض الحكماء: وجدت أكثر أمور الدنيا لا تجوز الا بالتغافل.
و قال أبو تمام:
ليس الغبي بسيّد في قومه
لكن سيد قومه المتغابي
و قال بعضهم: من شدد نفرّ، و من تراخى تألّف، و الشرف في التغافل.
[1] الامر: الاكثر مرارة.
[2] كذا ظاهر الكلمة، و هى غير واضحة فى نسخة الاصل.