و لأنّهم أذلّ و أحقر من أن يقصدهم مثلي في الثلب، و إنّما جرّبت رويّتي
فيهم تجربة السيف على الكلب، و إنّي لمّا انتقصت الكلب بتشبيههم به لأستغفر اللّه
و إليه أتوب، حيث أنّه لا ذنب للكلب و لهم أنواع من الذنوب.
فصل [هضم
المؤلّف لنفسه]
لا يزال
الإنسان حسن الظنّ ببديهة نفسه، قليل التفحّص عن رويّة حدسه، لا جرم إنّ العثار
سابق إلى قدمه، و الاغترار سائق إلى ندمه.
و قد يطفح ممّا
روّقته من المقال. دعوى الكمال، مع أنّه تمويه على الجهال، و تستر بالمحال على غير
العالم بالمحال. و إن أردت أيّها الشيخ- أيّدك اللّه و إيّانا بروح منه حقيقة
الحال، فاستمع لما يقال: إنّه قد استولى عليّ الجهل المركّب و هوجل[1]،
و حلّ بي بعدك منه ما قد حلّ، و غير عجيب بعد نزوعي عن منشئي و مواطني البهيّة،
انتزاعي من قسم الإنسانيّة و الدخول في قسم البهيميّة، ألا يرى إلى حسن اخضرار
العود، فإذا فارق منبته استعدّ للوقود. فها أنا تارة أستغرق في الجهل و الطيش،
فأراني في لذّة العيش، و تارة تلاحظني منكم بقايا العناية، فأعلم أنّي من الجهل في
أقصى الغاية، و لعلّني لو لا تلك الملاحظة لم أهتد إلى كلام، و لم أميّز بين نور و
ظلام، و أنا أرجو أن أعود بتلك الملاحظات، و صالح تلك الدعوات، إلى الحالة الأولى
و المعهودة، و الطريقة المتقدّمة المحمودة.
فصل [و لقد
استبدلت- أيّها الشيخ أعزّك اللّه- ...]
و لقد استبدلت-
أيّها الشيخ أعزّك اللّه- من ذاك الوقار الذي تعهده منّي حدّة و طيشا، و من ذاك
الدؤوب في الجدّ لذّة و عيشا، فبعد ما كنت في كلّ يوم من الكمال في مزيد، صرت كلّ
آن في نقص جديد و جهل مزيد، فما أحقّني بهذا النشيد!