و رابعها: الدلالة على طريق السير و السلوك و الانجذاب إلى حظائر[1]
القدس و محاضر الأنس بانطماس آثار التعلّقات الجسمانيّة، و اندراس أغشية الجلابيب
الهيولانيّة، فيكشف على قلوبهم السرائر، و يريهم الأشياء كما هي بالوحي أو الإلهام
أو المنامات الصادقة، و يشغلهم عن ملاحظة ذواتهم و صفاتهم بالاستغراق في ملاحظة
جلاله، و مطالعة أنوار جماله.
و هذا قسم
يختصّ بنيله الأنبياء، ثمّ الأولياء، ثمّ من يحذو حذوهم من أصحاب الحقائق الذين
نفضوا ذيولهم من غبار هذه الدار الدنيّة، و كحّلوا عيونهم بكحل الحكمة النبويّة، و
إيّاه عنى بقوله- عزّ و علا-: أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ
فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ[2]. و قوله- عزّ
و جلّ-: وَ الَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا[3]، فإذا تلا هذه الآية
أصحاب المرتبة الثالثة، أرادوا بالهداية المرتبة الرابعة؛ و إذا تلاها أصحاب
المرتبة الرابعة، أرادوا زيادة ما منحوه من الهدى، كما في قوله تعالى: وَ
الَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً[4]، أو الثبات عليه، كما
روي عن أمير المؤمنين 7: «اهْدِنَا:
و لفظ الهداية
على الثاني[6]
مجاز؛ إذ الثبات على الشيء غيره. و أمّا على الأوّل[7]، فإن اعتبر مفهوم «الزيادة»
داخلا في المعنى المستعمل فيه، فمجاز[8]
أيضا؛ و إن اعتبر خارجا عنه، مدلولا عليه بالقرائن، فحقيقة؛ لأنّ الهداية الزائدة
هداية، كما أنّ العبادة
[1]. في النسخ المخطوطة:« حضائر»؛ و الصحيح ما أثبتناه
في المتن، و مرّت ترجمتها في ص 134.