خفيا من فرط الظهور. و
قد نقل لي أن الفاضل الدواني لما أراد كتابة رسالة في إثبات الواجب قالت له أمه ما
تكتب فقال لها رسالة في إثبات الواجب فقالت له، أ في اللّه شك خالق السموات و
الأرض فترك تأليف ما أراد و من تأمل دليل الأعرابي حيث سئل عن الدليل على وجود
الصانع فقال البعرة تدل على البعير و آثار الأقدام على المسير أ فسماء ذات أبراج و
أرض ذات فجاج[1] لا تدل على
وجود اللطيف الخبير يجده أدل على المطلوب[2]
من البراهين التي ذكرها إبن سينا في كتابيه (الشفا و الإشارات) و الطوسي قدس اللّه
روحه في (قواعده و تجريده) فإنك قد عرفت إبتنائها على ما لا يتم و العقول سيالة و
لذا ترى كل لاحق يغلط سابقه و ينقض دلائله و قد استفاض في الاخبار ان كل مولود
يولد على الفطرة إلا أن أبويه يهودانه و ينصرانه و هذا المعنى شايع لا ينكر. فإن
قلت إذا كان معرفته تعالى على هذا النحو من الظهور فما بال العقلاء إختلفوا في
إثباته، و كيفية صفاته، و بعضهم نفاه رأسا و قال ما يهلكنا إلا الدهر و بعضهم أثبت
له شركاء كالمسيح، و عزير، و قالت طائفة الملائكة بنات اللّه، و بعضهم قالوا
بجسميته، حتى أن طائفة من طوائف المسلمين كالحنابلة ذهبوا إلى أنه جسم كالأجسام و
أنه في صورة شاب حسن الصورة ينزل كل ليلة جمعة راكبا على حمار فيدبر أمر الأرض إلى
الجمعة الأخرى حتى أنهم ربما وضعوا لحماره شعيرا فوق سطوحهم، و بعضهم صنعوا له
شريكا من التمر و هم بنو حنظلة، و كانوا يعبدونه، قال صاحب الكشاف ما انتفع كافر
من ربه مثل انتفاع بني حنظلة، فانهم كانوا يصنعون صنما من التمر و الحلوا فيكثرون
السجود له، فإذا جاعوا أكلوه، و كان ذلك العام عام قحط و مجاع و بعضهم أثبت إلهين
و هما النور و الظلمة، و قال إن النور يفعل الخير و الظلمة يفعل الشر، إلى غير ذلك
من المذاهب الفاسدة و الاراء الكاسدة. قلت الجواب عن هذا من وجوه ألاول: و أن ما
وقع به الإختلاف ليس هو محل الظهور فإنك قد تحققت أن مكان الظهور، و هو كونه
موجودا صانعا، و هذا لم يشك به عاقل و ما ورد من فرق الكفّار من الانكار له تعالى،
فهو من مجرد اللسان، كما حكاه سبحانه بقوله وَ جَحَدُوا بِها وَ اسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ، و قول أهل عبادة الأصنام ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ
زُلْفى. الثاني: أن الإختلاف قد جاء
من تقليد الأسلاف كما حكاه عنهم من قولهم
إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَ إِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُهْتَدُونَ و اما أسلافهم فقد أخذتهم الحمية الجاهلية، عن
متابعة الانبياء لأنهم بزعمهم انهم، أهل ملّة يقتدى بهم الناس فكيف يحسن منهم
الترك لرتبة الإمامة و التنزل إلى درجة المأمومية، و لهذا ما كان يقتدى بالأنبياء
سوى الفقراء
[2] هذا الدليل الاني ادل على المطلوب بالنسبة الى افهام اكثر
الناس من العوام و الخواص و اما البراهين العقلية التي ذكروها في الكتب و الاسفار
العقلية فهي ادل على المطلوب عند اهل النظر و التحقيق و الفكر العميق.