و قد تقدم قوله تعالى:
وَ قَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَ بِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً
إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما فَلا تَقُلْ
لَهُما أُفٍّ وَ لا تَنْهَرْهُما وَ قُلْ لَهُما قَوْلًا كَرِيماً
(23) [الإسراء: 23]، يعنى الوالدين، و كان والداه عليهما الرحمة قد توفيا، فلم
يدخلا فى الخطاب قطعا، فكذلك هنا.
المخاطب فى رأى ابن العربى:
قال الإمام ابن العربى[1] فى تعليل
عدم دخوله صلى الله عليه و سلم فى هذا الخطاب، لما هو عليه من الخلال، و الجلال، و
شرف المنزلة، و قوة النفس على الوظائف، و عظيم العزم على المقاصد:
فأما سائر الناس: فالخطاب عليهم وارد، و الأمر و النهى- كما تقدم-
إليهم متوجه، إلا أفرادا أخرجوا من ذلك بكمال صفاتهم، و عظيم أنفسهم، منهم أبو بكر
الصديق، خرج عن جميع ما يملك للنبى صلى الله عليه و سلم فقبله منه اللّه سبحانه، و
أشار على أبى لبابة، و كعب بالثلث من جميع مالهم، لنقصهم عن هذه المرتبة فى
أحوالهم.
و أعيان الصحابة كانوا على هذا، فأجراهم النبى صلى الله عليه و سلم و
ائتمروا بأمر اللّه، و اصطبروا على بلائه، و لم تتعلق قلوبهم بدنيا، و لا ارتبطت
أبدانهم بمال منها، و ذلك لثقتهم بموعود اللّه فى الرزق، و عزوف أنفسهم عن التعلق
بغضارة الدنيا.
و قد كان من أشياخى من ارتقى إلى هذه المنزلة: فما ادخر قط شيئا لغد،
و لا نظر بمؤخر عينه إلى أحد، و لا ربط على الدنيا بيد.
أقسام الناس فى الحظوظ:
فههنا ثلاثة أصناف من الخلق:
الأعم الأكثر، و هم أهل الحظوظ البشرية.
و القليل، و هم الذين ضعفت فيهم حظوظهم.
و الأقل الأندر، و هم الذين زالت منهم تلك الحظوظ.
و قد أفادتنا السنة العلمية المتقدمة فى كلام الإمام ابن العربى: أن
لأهل الصنف الثانى أن يخرجوا عن كثير من أموالهم على مقدار ما بقى من حظوظهم.
و أن لأهل الصنف الثالث أن يخرجوا منها كلها.
و أما الصنف الأول فلا يخرجون عن الوسط الذى بينته الآية.