2- و من برهما حفظهما بعد موتهما بالدعاء و
الاستغفار، و إنفاذ عهدهما، و إكرام صديقهما و صلة رحمهما، فقد روى ابن ماجة و أبو
داود و ابن حبان فى «صحيحه»، عن أبى أسيد مالك بن ربيعة الساعدى البدرى رضى اللّه
عنه قال:
«بينما نحن جلوس عند رسول اللّه صلى الله عليه و سلم إذ جاء رجل من
بنى سلمة، فقال: يا رسول اللّه! هل بقى من بر أبوى شيء، أبرهما به بعد موتهما؟
قال: «نعم الصلاة عليهما، و الاستغفار لهما، و إنفاذ عهدها من بعدهما، وصلة الرحم
التى لا توصل إلا بهما، و إكرام صديقهما»[1].
و فى إكرام صديقهما جاء فى «الصحيح» عن عبد اللّه بن عمر رضى اللّه
عنه: أن رجلا من الأعراب لقيه بطريق مكة، فسلم عليه عبد اللّه، و حمله على حمار
كان يركبه، و أعطاه عمامة كانت على رأسه، قال ابن دينار: فقلنا له: أصلحك اللّه
إنهم الأعراب، و إنهم يرضون باليسير، فقال عبد اللّه: إن أبا هذا كان ودا لعمر بن
الخطاب، و إنى سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و سلم يقول: «إن أبر البر صلة الولد
أهل ود أبيه»[2].
هذا، و إن من راض نفسه على هذه الأخلاق الكريمة و المعاملة الحسنة و الأقوال
الطيبة التى أمر بها مع والديه- يحصل له من الارتياض عليها كمال أخلاقى مع الناس
أجمعين، و كان ذلك من ثمرات امتثال أمر اللّه و طاعة الوالدين[3].
و اللّه يوفقنا و يهدينا سواء السبيل، إنه المولى الكريم رب
العالمين.
[1] -رواه أبو داود( 5142)، و ابن ماجة( 3664)، و ابن
حبان فى صحيحه( 418)، و الحاكم فى المستدرك( 4/ 154).
[2] -رواه مسلم( 2552)، و انظر: بر الوالدين للطرطوشى-
بتحقيقنا- طبع دار الكتب العلمية- بيروت.
[3] -قال سيدى علوان الهتيبى: و الآثار فى ذلك كثبرة
جدا و إطاعة الوالدين، و برهما من أفضل القربات كيف لا و البر مأخوذ من اسمه جل
جلاله البر فمن آداب من عرف البر أن يتخلق بالبر لينال من البر البر، فإن من كان
اللّه تعالى بارا به عصم عن المخالفات نفسه، و أدام بفنون اللطائف أنسه، و طيب
فؤاده، و حصل مراده و وفر طريقه و جعل التوفيق زاده، و جعل قصده سداده و مبتغاه
رشاده و أغناه عن أشكاله بأفضاله، و حماه عن مخالفته بيمن إقباله، فهو غنى بلا
مال، و عزيز بلا إشكال، ملك لا يستظهر بجيش و عدد، و غنى لا يتمول بمال و عدد
تشهده فى زى مسكين و هو عند اللّه من المقربين متعزز مكين( نسمات الأسحار ص 139)
بتحقيقنا.