اسم الکتاب : ايقاظ الهمم فى شرح الحكم المؤلف : ابن عجيبة الجزء : 1 صفحة : 573
يداوم على العمل، و لا يتكل عليه، فإنه إن
لم يقدر على مداومته بالفعل، فبالمحبة و العزم كما بين ذلك في المناجاة الخامسة
عشرة بقوله:
358- إلهي إنك تعلم و إن لم تدم الطاعة مني فعلا جزما، فقد دامت
محبة و عزما.
قلت: طاعة العبد لربه يجب أن تكون فعلا و محبة و عزما في كل لحظة و
وقت، فإن لم يقدر على ذلك فليعزم على البر و التقوى، و ينو فعل الخيرات، فنية
المؤمن خير من عمله إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي
قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ [الأنفال: 70] أي يعطيكم أفضل مما أخذ منكم من مال أو عمل. و قال
بعضهم: الفعل الجزم هو وجود العمل و المحبة، و العزم هو التوجه للعمل، و كم من
متوجه لم يلحق؟ و كم من مجد لم يسبق؟ و لكن في العزم ظهرت الحقائق و به جاءت
الشرائع، و ليس على العبد إلا القصد و الجد و العزم، و أما نفوذه فقد يقدر و قد لا
يقدر وَ اللَّهُ غالِبٌ عَلى أَمْرِهِ
[يوسف: 21]، و المراد بالعزم:
القصد، و النية هي توجه القلب للأمر المطلوب، انتهى. و اعلم أن
متابعة العلم اختيارية، و متابعة الحال اضطرارية، فما دام العبد معه بقية اختيار
وجب عليه اتباع العلم و هو مقام السلوك، فإن غلب الحال وجب اتباعه، و هو مقام
الجذب، و مثل ذلك قضية الصدّيق حين أتى بماله كله فقال له الرسول صلى اللّه عليه و
آله و سلم: «ما تركت لأهلك؟ فقال: تركت لهم اللّه و رسوله[1]».
و لم يلتفت لقوله صلى اللّه عليه و آله و سلم في حال التشريع: «لأن تذر ورثتك
أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس[2]».
و لما غلب الحال على العلم صار الحكم للحال، فياله من مقام ما أعز
شانه
[1] - رواه الحكيم الترمذي في نوادر الأصول( 2/ 65).