اسم الکتاب : ايقاظ الهمم فى شرح الحكم المؤلف : ابن عجيبة الجزء : 1 صفحة : 560
فيما تقدم: من ظن انفكاك لطفه عن قدره فذلك
لقصور نظره، و أما الجاهل باللّه فلا يشعر باللطف إلا إذا كان حسيّا ظاهرا جليّا،
و لذلك قال الشيخ في هذه المناجاة تواضعا و تنزلا: إلهي ما ألطفك بي مع عظيم جهلي،
حيث جهلت لطفك الخفي و طلبت لطفك الجلي، و لو عاملنا الحق تعالى بمقتضى جهلنا لنزع
لطفه الخفي عنا و تركنا مع مرادنا، و لكنه سبحانه حليم فلم يعاملنا بمقتضى جهلنا،
فلطف بنا مع عظيم جهلنا، و لذلك تعجب الشيخ من شدة لطف اللّه به مع عظيم جهله، و
هذا كما قال الشيخ أبو العباس المرسي رضي اللّه تعالى عنه إذا سألت اللّه العافية
فاطلبها من حيث تعلم أنها لك عافية، و قال أيضا: في مرضه حين قال له إنسان: أسأل
اللّه لك العافية، قال له: ما أنا فيه هو العافية، و قد سأل العافية أبو بكر رضي
اللّه تعالى عنه فمات مسموما، و سألها عمر رضي اللّه تعالى عنه فمات مطعونا، و
سألها عثمان رضي اللّه تعالى عنه فمات مذبوحا، و سألها علي رضي اللّه تعالى عنه
فمات مقتولا، انتهى. فالعافية و اللطف هو الرضا و التسليم، و سكون القلب عند مجاري
الأقدار، و الرحمة هي اللطف و المحبة و التقريب، فالحق تعالى يريد أن يقرب عبده
إليه، و يطوي مسافة البعد بينه و بينه بما يسلط عليه من إذاية الخلق و الفقر و
الأمراض، و غير ذلك مما يؤلم النفس. ثم إن العبد يفر منها، و يسأل اللّه أن يبعده
منها، لأجل جهله و قبيح فعله، و لذلك ورد في بعض الأخبار: يقول اللّه تعالى: يا
عبدي كيف أرحمك بدفع ما به أرحمك؟ أو كما قال، و هذا معنى قوله: إلهي ما أرحمك بي
مع قبيح فعلى، و هو هروبي مما به رحمتي. و يحتمل أن يريد بقبيح الفعل الذنوب و
المعاصي فإنها توجب المقت و البعد، فلو عاملنا بمقتضى فعلنا الذميم لأذاقنا من
بأسه الأليم، لكن رحمة الرحمن الرحيم، غلبت عذابه الأليم.
أوحى اللّه تعالى إلى سيدنا موسى 7: يا موسى خاطب المذنبين
باللطف و اللين، و ادعهم إلى بالقول الجميل، و رغبهم في النعيم المقيم، و لا تغلظ
عليهم،
اسم الکتاب : ايقاظ الهمم فى شرح الحكم المؤلف : ابن عجيبة الجزء : 1 صفحة : 560