اسم الکتاب : ايقاظ الهمم فى شرح الحكم المؤلف : ابن عجيبة الجزء : 1 صفحة : 552
بعد ظهور ضعفنا؟ لطفت بنا و نحن للطف غير
محتاجين، أفتمنعنا منه عند احتياجنا إليه، و أنت أرحم الراحمين، أجريت علينا رفقك
قبل أن تبرزنا إلى دارك، أفتمتعنا منه بعد ظهورنا مع عظيم إبرارك؟ و من تفكر في
عجائب صنع الإنسان، و ما خصه اللّه به من كمال الخلق و الإتقان، و ما يلحقه من
ضروب المنن و الإحسان: وجد نفسه مغمورا في لطف مولاه، مرفوقا به في أول منشئه و
منتهاه. قال بعض الحكماء: قد أدركت العقول مما أودع في الإنسان اثنتي عشرة ألف
حكمة. و أما الذي لم تدركه العقول، فلا يعلمه إلا اللّه هذا في خاصة نفسه، و أما
في غذائه و شرابه و لباسه و سائر لوازمه فأكثر من ذلك، قال تعالى:
لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ [التين: 4]، و قال: فَلْيَنْظُرِ
الْإِنْسانُ إِلى طَعامِهِ [عبس: 24] الآية، فسبحان من
أعجزت العقول بدائع ألطافه، و قصرت الأفكار عن عظيم أوصافه:
وَ هُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ [الأنعام: 103]، ما أكثر
لطائفه للمبتدئين، و أوضحها للمستيقظين، و أعظمها في جميع المخلوقين، قد سرى لطفه
في جميع الأكوان، و أبهرت حكمته أفكار الإنس و الجان، و أنشدوا:
أحاط
بتفصيل الدّقائق علمه
فأتقنها
صنعا و أحكمها فعلا
فمن
لطفه حفظ الجنين وصونه
بمستودع
قد مرّ فيه و قد حلّا
تكنّفه
باللطف في ظلماته
و
لا مال يغنيه هناك و لا أهلا
و
يأتيه رزق سابغ منه سائغ
يروح
له طولا و يغدو له فضلا
و
ما هو يستدعي غذاء بقيمة
و
لا هو ممن يحسن الشّرب و الأكلا
جرى
في مجاري عرقه بتلطف
بلا
طلب جريا على قدره سهلا
و
أجرى له في الثّدي لطف غذائه
شرابا
هنيئا ما ألذّ و ما أحلا
و
ألهمه مصّا بحكمة فاطر
تجلّى
لأرباب العقول بما أولى
و
أخّر خلق السّن عنه لوقتها
فأبرزها
عونا و جاء بها طولا
اسم الکتاب : ايقاظ الهمم فى شرح الحكم المؤلف : ابن عجيبة الجزء : 1 صفحة : 552