اسم الکتاب : ايقاظ الهمم فى شرح الحكم المؤلف : ابن عجيبة الجزء : 1 صفحة : 53
استأذن أن يؤذن له، و إن قال إن يسمع له
فقال له صلى اللّه عليه و آله و سلم:
«هذا يعني الفقير خير من ملء الأرض من هذا[1]».
و في مدح الخمول أحاديث كثيرة و فضائل مشهورة، و لو لم يكن فيه إلا الراحة و فراغ
القلب لكان كافيا و أنشد بعضهم و هو الحضرمي:
عش
خامل الذكر بين الناس و ارض به
فذاك
أسلم للدّنيا و للدّين
من
عاشر النّاس لم تسلم ديانته
و
لم يزل بين تحريك و تسكين
و قال بعض الحكماء: الخمول نعمة و النفس تأباه و الظهور نقمة و النفس
تهواه.
و قال آخر: طريقتنا هذه لا تصلح إلا بقوم كنست بأرواحهم المزابل.
قلت: و يجب على من ابتلي بالجاه و الرياسة أن يستعمل من الخراب ما
يسقط به جاهه و إن كان مكروها دون الحرام المتفق عليه بقصد الدواء، كالسؤال في
الحوانيت أو الديار و كالأكل[2]، في السوق،
و حيث يراه الناس و كالرقاد فيه، و كالسقي بالقربة، و حمل الزبل على الرأس بوقاية،
و كالمشي بالحفا و إظهار الحرص و البخل و الشح، و كلبس المرقعة و تعليق السبحة
الكبيرة و كل ما يثقل على النفس من المباح أو المكروه دون الحرام. قال الشيخ زروق
رضي اللّه تعالى عنه: و كما لا يصح دفن الزرع في أرض رديئة لا يجوز الخمول بحالة
غير مرضيّة، و قياس ذلك بالغصّة لا يصح لأن فوت الحياة الحسية مانع من كل خير
واجبا و مندوبا و تفويتها مع إمكان إبقائها محرم إجماعا لقوله تعالى: وَ لا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ [البقرة: 195] بخلاف الخمول لا يفوت به شيء من ذلك إنما يفوت به
الكمال، و هو نفي الجاه و المنزلة و أصله الإباحة انتهى.