اسم الکتاب : ايقاظ الهمم فى شرح الحكم المؤلف : ابن عجيبة الجزء : 1 صفحة : 512
و الاجتباء، أنت تجالسه بمراقبته، و هو
يجالسك بحفظه و رعايته، أنت تجالسه بذكره و هو يجالسك ببره: (أنا جليس من ذكرني
..) كما في الحديث. و أما المحادثة: فهي المكالمة القلبية و هي الفكرة و الجولان
في عظمة الجبروت، فأنت تحادثه في سرك بمناجاته و سؤاله، و هو يحادثك بمزيد إحسانه
و نواله، أنت تحادثه بدوام حضوره في سرك و لبك، و هو يحادثك بإلقاء العلوم و
الأسرار الحكم في قلبك، أنت تحادثه في عالم الشهادة، و هو يحادثك في عالم الغيب. و
في التحقيق ما ثم إلا عالم الغيب ظهر في عالم الشهادة، و في هذا المعنى قال
الجنيد: لي أربعون سنة و أنا نحدث الحق و الناس يرون أني نحدث الخلق. و قالت رابعة
العدوية رضي اللّه عنها:
و
لقد جعلتك في الفؤاد محدثي
و
أبحت حسمي من أراد جلوسي
فالجسم
مني للجليس مؤانس
و
حبيب قلبي في الفؤاد أنيسي
و أما المشاهدة: فهي كشف حجاب الحس عن نور القدس. أو تقول: كشف رداء
الصون عن الكون، فأنت تشاهد ذاته في عالم ملكوته، و هو يشاهدك في عالم ملكه. أنت
تشاهد ربوبيته، و هو يشاهد عبوديتك. و الحاصل: أن المشاهدة من العبد هي شهود
العظمة بالعظمة كما قال شيخنا رضي اللّه تعالى عنه: و مشاهدة الرب للعبد هي إحاطة
علمه بأحواله و أسراره. و أما المطالعة: فهي مطالعة أسرار الملك و الملكوت و
الجبروت و أسرار القدر، فأنت تطالعه بالتوجه إليه، و هو يطالعك بالترقي إليه، أنت
تطالع مواقع قضائه و قدره فتتلقاها بالقبول و الرضا، و هو يطالع أحوالك و سرائرك،
فيكشف عنك الحجب، و يوسع عليك الفضاء، أنت تطالعه بالتقرب و الإقبال، و هو يطالعك
بالمحبة و الوصال فيتلقاك بالإقبال و الوصال، و هذه الأسرار لا يذوقها إلا أهل
الأذواق، فكل واحد يذوق منها على قدر شربه و وجده و اللّه تعالى أعلم. فإن سكنت
الروح في هذه المراتب صارت الحضرة مأواها و مثواها، كما بين ذلك بقوله:
280- فصارت الحضرة مغششّ قلوبهم، إليها يأوون، و فيها يسكنون.
قلت: عش الطير و كره الذي يأوي إليه، فكأن أوراح العارفين طيور
الحضرة تطير في الملكوت
اسم الکتاب : ايقاظ الهمم فى شرح الحكم المؤلف : ابن عجيبة الجزء : 1 صفحة : 512